Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 102-109)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَكَذٰلِكَ } أي : مثل ما سمعت يا أكمل الرسل { أَخْذُ رَبِّكَ } أي : انتقامه وبطشه { إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ } أي : حين أخذ أهلها بظلمهم وعصيانهم { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } خارجة عن مقتضى الأمر والإلهي ونهيه ، وبالجملة : { إِنَّ أَخْذَهُ } للمسرفين الخارجين عن حيطة حدوده { أَلِيمٌ } مؤلم { شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] في غاية الشدة ؛ لكونهم مبالغين في الإصرار والاستكبار . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من قصص الأمم الهالكة { لآيَةً } عظة وعبرة { لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } وحساب الله إياه فيها على رءوس الأشهاد { ذٰلِكَ } اليوم { يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] شهد فيه الجميع للجميع بل الأعضاء والجوارح على صاحبها . { وَمَا نُؤَخِّرُهُ } أي : اليوم الموعود { إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [ هود : 104 ] أي : لانقضاء مدة قصيرة . اذكر يا أكمل الرسل عظة وتذكيراً لمن تبعك { يَوْمَ يَأْتِ } ذلك اليوم الموعود الهائل { لاَ تَكَلَّمُ } فيه { نَفْسٌ } ولا يشفع شافع ؛ لشدة هوله وفزعه { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي : بإذن الله وإقداره إياها { فَمِنْهُمْ } أي : بعض الناس من الموقوفين في المحشر { شَقِيٌّ } خرج من الدنيا على الشقاوة ووخامة العاقبة { وَ } منهم { سَعِيدٌ } [ هود : 105 ] خرج منها على السعادة وحسن العاقبة . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } في الدنيا وخرجوا منها على الشقاوة { فَفِي ٱلنَّارِ } أي : هم في النشأة الأخرى داخلون في النار ومضطربون فيها ؛ إذ { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [ هود : 106 ] أي : أخراج النفس من شدة الحرارة ، وشيهق ؛ أي : رده ؛ يعني : حالهم فيها كحال من استلوت عليه الحرارة على قلبه وضيق الأمر عليه ، فيردد نفسه كما في سكرة الموت ، وذلك من شدة كربهم وآلمهم ولكونهم متناهين في الشاقوة في دار الدنيا ، لا ينقطع عذابهم فيها أصلاً . { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } أي : ما تحقق الجهتان الحقيقيتان ؛ أي : الفوق والتحت { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } أي : تعلق إرادته ومشيئته لأخراج بعض منها كفساق المؤمنين { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] أي : له الاختيار التام في جميع مراداته ومقدوراته ، ومن جملتها : إخراج بعض العصاة من النار . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } في الدنيا ، وخرجوا على السعادة منها { فَفِي ٱلْجَنَّةِ } أي : هم في النشأة الأخرى في الجنة التي هي منازل السعداء الآمنين ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } متنعمين فيها مترفهين بأنواع النعم الجسام { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } وتعلق إرادته بإعلاامها ، وهو الانكشاف الذاتي والتجلي الشهودي ، وذلك لمن يعطى { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] أي : غير مقطوع ؛ إذ لا انقطاع للتجليات الذاتية ولا للذاتها المرتبة عليها بالنسبة إلى الفائزين بها ، جعلنا الله من خدامهم . وبعدما تبين حال السعداء المقبولين والأشقياء المردودين { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } شك وتردد { مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ } المشركون ، ألا يستجلب عليهم العذاب والنكال كما استجلب على أسلافهم ؛ إذ هم { مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم } وأسلافهم { مِّن قَبْلُ } فسيلحقهم مثل ما لحقهم ؛ لأن اشتراك الأسباب يوجب اشتراك المسببات { وَإِنَّا } وإن أمهلناهم زماناً في الدنيا { لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } وحظهم من العذاب في الآخرة مثلهم { غَيْرَ مَنقُوصٍ } [ هود : 109 ] من عذابهم .