Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 110-115)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كيف لا نوفي العذاب على المشركين { لَقَدْ آتَيْنَا } من عظيم جودنا { مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } أي : التوراة حين فشا الجدال والمراء والكفر والفسوق بين بني إسرائيل واضمحلت العدالة الإلهية بالكلية { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } مثل اختلافهم في كتابك الذي هو أفضل الكتب علماً وإحاطة ، وأجمعهم حكماً ، وأشملهم معرفة ، وأكملهم حقيقة وكشفاً { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } في أنظار هؤلاء الكفرة وإمهالهم إلى يوم القيامة { لَقُضِيَ } أي : حكم ورفرق { بَيْنَهُمْ } الآن ، بحيث يتميز المحق من المبطل ، فليلحق المبطلين وبال ما صنعوا ، فهلكوا كما هلكوا { وَإِنَّهُمْ } أي : كفار قوموك ، من غاية انهماكهم في الغفلة وتماديهم في العناد والاستكبار { لَفِي شَكٍّ } أي : من أمر القرآن مع أنهم عارضوا معه مراراً فأفحموا { مِّنْهُ مُرِيبٍ } [ هود : 110 ] موقع المريب الشك للخرفاء المنحطين عن التأمل في مرمزاته والتدريب في إشارته . { وَإِنَّ كُـلاًّ } أي : كلاً من المؤمنين المحقين والمبطلين الكافرين ، والله { لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } ويوفون عليهم بلا زيادة وتنقيص ؛ إظهاراً للقدرة الكاملة والعدالة التامة الشاملة { رَبُّكَ } الذي أظهرهم من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة { أَعْمَالَهُمْ } أي : أجورها وجزاءها ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر { إِنَّهُ } سبحانه بذاته وأوصافه وأسمائه { بِمَا يَعْمَلُونَ } من الخير والشر والصلاح والفساد والعبادة وتركها { خَبِيرٌ } [ هود : 111 ] على وجه الحضور ، لا تغ يب عنه غائبة ولا تخفى عنه خافية . ومتى تلطفت يا أكمل الرسل بخبرة الحق وحضوره ، وتنبهت تنبيهاً وجدانياً حضورياً وانكشفت بها انكشافاً عينياً شهودياً { فَٱسْتَقِمْ } أي : فاعتدل في أوصافك و أفعالك وأقوالك { كَمَآ أُمِرْتَ } من ربك بوحيه عليك وإلهامه إليك ، وأمر أيضاً بالعدالة والاستقامة { وَمَن تَابَ مَعَكَ } وآمن لك واتخذ طريقط مسلكاً إلى الحق { وَ } بالجملة : { لاَ تَطْغَوْاْ } أي : لا تميلوا ولا تخرجوا أيها المتحققون بحقية التوحيد واستقامة صراطه ولا تنحرفوا عن سبيل السلامة التي هي جادة الشريعة والمصطفوية أصلاً { إِنَّهُ } سبحانه بذاته { بِمَا تَعْمَلُونَ } من جميع الأعمال الموجبة للعدالة والانحراف { بَصِيرٌ } [ هود : 112 ] لا يخفى عليه شيء . ولصعوبة الامتثال بهذه الآية الكريمة قال صلى الله عليه وسلم : " شيبتني سورة هود " . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : " هذه الآية قصمت ظهور أنبياء الله وأوليائه " . { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ } أي : لا تميلوا ميلة ولا تلفتوا التفاتاً قليلاَ أيها المستوون على صراط الله ، المستقيمون لجادة عرفانه { إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : خرجوا عن حدود الله الموضوعة لإصلاح أحوال عباده { فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ } بأدنى الميل والالتفات { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } ينقذونكم من النار لو توالونهم أو تداومون الميل إليهم { ثُمَّ } اعلموا أنكم لو اخترتم موالاة الظلمة واتخذتموهم إخواناً كسائر المؤمنين { لاَ تُنصَرُونَ } [ هود : 113 ] ولا نقذون من النار ، فعليكم ألا تتخذوا الكافر أولياء من دون المؤمنين . { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } أي : أدم الميل والركمون إلى الله بجميع الأعضاء والجوارح في جميع الأوقات والحالات ، سيما { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } أي : قبل الطلوع وقبل الغروب ، فإنهما وقتان محفوظان عن وسوسة الأوهام ، حاليان غالباً عن الشواغل { وَ } عليكم أن تختلس لتوجهيك { زُلَفاً } أي : ساعات { مِّنَ } آخر { ٱلَّيْلِ } قريبة بالنهار ، فإن إقدامك عليها وإقامتك لها حسنات ، خصوصاً في تلك الساعات الخالية عن وساوس الخيالات { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ } الخالية عن الرياء والرعونات { يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } وتصفي صاحبها عن كدر الغفلات { ذٰلِكَ } أي : الامر بالاستقامة على المتعظين ، الذين يذكرون الله في السراء والضراء ويتعظون بجميع ما ج رى عليهم من الخصب والرخاء ، إنما هو { ذِكْرَىٰ } وعظة وتذكرة شافية { لِلذَّاكِرِينَ } [ هود : 114 ] الله في عموم أحوالهم وحالاتهم . وبالجملة : { وَٱصْبِرْ } على أذاهم واكظم غيظك ، فإن الصبر على الأذى من أعظم الحسنات { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ هود : 115 ] سيما على من أساء عليه .