Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 77-83)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } أذكر يا أكمل الرسل { لَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً } على أشكال مرد ملاح صباح متناسبة الإعضاء ، وهم لا يرون أمثالهم في الصباحة واللطافة وكمال الرشاقة { سِيۤءَ بِهِمْ } أي : ساء مجيئهم على هذه الأشكال لوطاً ومن آمن معه { وَضَاقَ } جيئتهم على هذه الصورة البديعة { بِهِمْ ذَرْعاً } أي : شق على لوط والمؤمنين أمر حفظهم وحضانتهم ؛ لأنهم علموا قبح صنيع قومهم لو علموا جيئتهم قصدورا لهم مكروهاً ، واشتد عليهم أيضاً مدافعتهم وإخراجهم ؛ لأنهم نزلوا ضيافاً ، فاضطر لوط في أمرهم وشأنهم وتحير { وَقَالَ } متأوهاً متأسفاً متضجراً : { هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } [ هود : 77 ] شديد مظلم في غاية الشدة والظلمة . { وَ } بعدما أُخبر القوم بنزولهم { جَآءَهُ قَوْمُهُ } متجسسين { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يطوفون حول بيته سريعاً ، ويطلبون فرصة الدخول عليهم ، ويحتالون لدفع لوط والمؤمنين وهم قوم خقبي { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ } من نهاية خباثتهم { يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } الخارجة عن مقتضى العقل والنقل والمروءة ، وحين اضطر لوط من ترددهم وتبخترهم ، ولم يرَ في نفسه مدافعتهم ومقاوتهم { قَالَ يٰقَوْمِ } لهم من غاية غيرته وحميته في حق أضيافه : { هَـٰؤُلاۤءِ } الإناث { بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } إن أردتم الوقاع { فَاتَّقُواْ اللًّهَ } المنتقم الغيور عن تفضيحي { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } ولا تخجلوني في ضيفي { أَلَيْسَ مِنْكُمْ } أيها لمجبولون على فطرة الإدراك { رَجُلٌ رَّشِيدٌ } [ هود : 78 ] ذو مروءة وعقل كامل . { قَالُواْ } في جوابه مبالغين مقسمين : والله { لَقَدْ عَلِمْتَ } يقيناً { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } أي : ميلٍ وحظٍ ، بل إنما عرضت بناتك علينا لتترك أضيافك { وَإِنَّكَ } أيضاً { لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] . ولما اضطر لوط مسارعتهم ومماراتم { قَالَ } مشتكياً إلى الله : { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً } أدفع بها حزني وخزي أضيافي لأدفعكم بتوفيق الله { أَوْ آوِيۤ } وأرجع حين ظهور عدم مقاومتي ومدافعتي معكم { إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [ هود : 80 ] هو حفظ الله وكنف جواره وحصن حضانته . ثم لما رأى الرسل اضطرار لوط واضطرابه ؛ إذ هو يغل على أضيافه باب بيته فيجاجل مع قومه ، يتكلم معهم ، وبعدما امتدت مجادلته معهم ، قصدوا أن يثقبوا الجدار فاشتغلوا بالثقب والنقب { قَالُواْ } أي : الرسل بعدما بلغ ألم لوط غايته : { يٰلُوطُ } لا تغتم ولا تضطرب في أمرنا ولا تهلك نفسك غيرة وغيضاً { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } أبداً ؛ أي : لن ينالوا بإضرارنا حتى اضطررت من أجلنا ، ذرنا معهم ، واخرج من بيننا وبينهم ، وخرج لوط مفتحاً باب بيته ، فدخلوا على الرسل بالفور ، فضرب جبرائيل عليه السلام بجناحه فأعماهم ، فانقبلوا صائحين صارخيه : النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة . وبعدما خرجوا فاقدين أبصارهم ، قال الرسل أمراً للوط : { فَأَسْرِ } أي : سر ليلاً { بِأَهْلِكَ } أي : بمن آمن معك { بِقِطْعٍ } أي : بعد مضي طائفة { مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَ } بعدما خرجتم { لاَ يَلْتَفِتْ } ولا ينظر { مِنكُمْ } أيها الخارجون { أَحَدٌ } خلفه حين سمع حنينهم وأنينهم وتشدد العذاب عليهم { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } فإنها تلتفت حين سمعت الصيحة ، فخرجوا على الوجه المأمور ، فنزل عليهم العذاب بعد خروجهم بالفور ، فصاحوا صيحةً عظيمةً ، ولم يلتفت أحد من الخارجين إلا امرأته ، فلما سمعت التفتت ، وصاحت : واقوماه ! فأصيبت بلا تراخٍ ومهلةٍ { إِنَّهُ } أي : الشأن والأمر في علمنا أنها { مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } فلما سمع لوط ما سمع ، استسرع إلى مقتهم من كمال ضجرته منهم ، قالوا له : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } أي : موعد هلاكهم صبح هذا الليلة { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ } أيها المستعجل { بِقَرِيبٍ } [ هود : 81 ] . { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } على رسلنا بأهلاكهم { جَعَلْنَا } أي : جعل الرسل بإقدارنا وتمكيننا إياهم قريتهم { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي : يقلبون عليهم بيوتهم { وَ } مع ذلك { أَمْطَرْنَا } من جانب السماء { عَلَيْهَا } أي : على أماكنهم وقراهم { حِجَارَةً } تنحجر { مِّن سِجِّيلٍ } وهو معرب من سنك كل { مَّنْضُودٍ } [ هود : 82 ] ممتزج منضد بعضها على بعض { مُّسَوَّمَةً } معلمة مقدرة { عِندَ رَبِّكَ } وفي حضرة علمه ولوح قضائه لأمثال هذه البغاة الغواة الهالكين في تيه الغفلة والغرور . { وَمَا هِيَ } أي : أمثال هذه البليات والمعيبات { مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى حدود الله وأوامره ونواهيه { بِبَعِيدٍ } [ هود : 83 ] غريب حتى يستغرب في حقهم .