Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 33-37)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وحين رأى يوسف اتفاقهن واجتماعهن على منكر ، ناجى ربه من شرهن وتعوذ نحوه من فتنتهن حيث : { قَالَ رَبِّ } يا من رباني بأنواع اللطف و الكرم والعصمة والعفاف { ٱلسِّجْنُ } الذي أوعدتني به هذه المرأة { أَحَبُّ إِلَيَّ } وآثر عندي { مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } هؤلاء البغيات { وَإِلاَّ تَصْرِفْ } أي : وإن لم تصرف بفضلك وعصمتك { عَنِّي كَيْدَهُنَّ } ولم تحفظني من مكرهن ، بإلقاء البرهان الفعلي والكشفي في سري { أَصْبُ } أي : أمِل وأتحنن نحوهن على مقتضى الوقى البهيمية { إِلَيْهِنَّ وَأَكُن } حينئذ { مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ يوسف : 33 ] المتابعين لشيطان الشهوة ، الخارجين عن مقتضى العقل المفاض من المبدأ الفياض . وبعدما أخلص في مناجاته وأبر في رجوعه وعرض حاجاته { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ } ما ناجاه { فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } وحُفظ عن مكرهن { إِنَّهُ } بذاته وأوصافه وأسمائه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لمناجاة عباده { ٱلْعَلِيمُ } [ يوسف : 34 ] بحاجاتهم منها . { ثُمَّ بَدَا } أي : ظهر ولاح { لَهُمْ } للعزيز وأصحابه { مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ } أي : بعد رؤيتهم علامات الصدق وأمارات العصمة والعفاف ، سيما شهادة الطف الذي شهد بطهارته وصدقه ، مع أنه لم يعهد من أمثال هذا ، فتشاوروا في أمره وتأملوا في شأنه ، فاستقر رأيهم { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } [ يوسف : 35 ] لئلا يلحق العار عليهم ولا ينتشر بين الأنام صدقه وعصمته وقبح صنيعها وفاحشة فعلها ، بل يحسبون أنه مجرم وراعيل متهمة ؛ لذلك حملوا الجرم عليه ، ورموه افتراءً ، فأدخلوه السجن انتقاماً وجزاء ؟ { وَدَخَلَ مَعَهُ } أي : يوسف { ٱلسِّجْنَ } في تلك المدة { فَتَيَانِ } من أعوان الملك شرابيه وخباره بتهمة اتُهما بها ، فلما رأيا منه الرشد والنجابة وصفاء الصورة والمعنى { قَالَ أَحَدُهُمَآ } وهو الشرابي مستعيراً عنه حاكياً عما مضى " { إِنِّيۤ أَرَانِيۤ } في المنام { أَعْصِرُ } ماء العنب ليصير { خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ } وهو الخباز : { إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً } على طبق { تَأْكُلُ } وتنهش { ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } أي : أخبرنا بما يؤول إليه ويعبر به رؤيانا { إِنَّا نَرَاكَ } في بادئ الرأي { مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 36 ] المصلحين لمفاسد الأنام وتحمل ما يشكل عليهم ، ومن جملتها تعبير الرؤيا . ثم لما تفرس منهم الإخلاص وحسن الظن بالنسبة إليه ، بادر قبل الاشتغال بالتعبير إلى تمهيد مقدمة دالة على التوحيد والإيمان والمعرفة والإيقان ، منبهة على استقلال الحق الحقيق بالحقية في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وجميع آثاره الحادثة في الكائنات والفاسدات ، حيث { قَالَ } أولاً { لاَ يَأْتِيكُمَا } في المستقبل { طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } لسد الجوعة وتقويم المزاج { إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا } وأخبرتكما { بِتَأْوِيلِهِ } وتبيين ماهيته وكيفية تأثيره وتوليده من الأخلاط وتقويته للمزاج { قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا } بمدةٍ { ذٰلِكُمَا } أي : تعبير رؤياكما وتأويل طعامكما { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ } أي : من جملة الأمور التي علمني ربي من لدنه بأن أطلعني على رقائق المناسبات ودقائق الارتباطات ، والازدواجات الواقعة بين أجراء العالم وجزئياتها على التفصيل المشروح ، المثبت في الأعيان الثابتة وعالم الأسماء والصفات المنبسطة على ظواهر الأكوان { إِنِّي } بعدما انكشفت الغطاء عن بصري وارتفع الحجب عن بصيرتي { تَرَكْتُ } بتوفيق الله وإلهامه { مِلَّةَ قَوْمٍ } ذوي حجب { لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } وتوحيده واستقلاله في الوجود { وَ } مع ذلك { هُمْ بِٱلآخِرَةِ } أي : في النشأة المعدة لجزاء ما جرى عليهم في هذه النشأة { هُمْ كَافِرُونَ } [ يوسف : 37 ] منكرون .