Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 38-41)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتَّبَعْتُ } في سلوكي طريق التوحيد { مِلَّةَ آبَآئِـيۤ } وأجدادي { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ } أي : ما صح وجاز لنا معاشر الأنبياء { أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ } المتوحد بذاته وأوصافه وأسمائه ، المستقل في وجوده وحقيته { مِن شَيْءٍ } لا وجود له أصلاً سوى العكسية والظلية { ذٰلِكَ } الشهود والانكشاف { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ } الذين أُرسلنا إليهم وبُعثنا بينهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } الناسين حقوقهم نعم الله { لاَ يَشْكُرُونَ } [ يوسف : 38 ] نعمة الإرسال وبعثة الرسل ، ولا يواظبون على أداء شكرها . ثم لما مهد يوسف لصاحبه طريق التوحيد ونبه عليهما السلوك عليه ، أشار إلى دعوتهما إليه على سبيل التدريج كما هو دأب الأنبياء ، فقال منادياً لهما ليقبلا على بول قوله : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ } الساكنين فيه ، المصاحبين معي { ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } متكثرون في العدد متماثلون في عدم القدرة والاختيار { خَيْرٌ } عندكم وأحق لعبادتكم وانقيادكم { أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } المتوحد في ذاته ، المستقل في ألوهيته وربوبيته ، المستغني في ذاته عن المظاهر مطلقاً { ٱلْقَهَّارُ } [ يوسف : 39 ] الغالب على جميع السوى والأغيار . وأعلما أيها الأخوان { مَا تَعْبُدُونَ } أنتما ومن على دينكما في مصر من عبدة الآلهة الباطلة { مِن دُونِهِ } أي : من دون الله الواحد الأحد الصمد ، الذي لا شريك له في الوجود أصلاً { إِلاَّ أَسْمَآءً } مطلقة على الأظلال معدومة ، وعكوساً موهومة { سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } من تلقاء نفوسكم آلهة ومعبودات ، مع أنه { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المنزل للكتب والمرسل للرسل { بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي : بشأن آلهتكم من حجة وبرهان عقلي ونقلي تى تكون تمسكاً لكم في اتخاذكم هؤلاء التماثيل آلهة مستحقة للعبادة والإطاعة { إِنِ ٱلْحُكْمُ } أي : ما الحكم المطلق والاستحقاق التام للإطاعة والانقياد وعبادة العباد { إِلاَّ للَّهِ } المتردي برداء العظمة والكبرياء ، المتفرد باجللال والبقاء ، المتوحد في البسطة والاستيلاء ؛ إذ هو المستحق بالعبادة ، المستقبل بالربوبية ؛ لأنه في ذاته هو ولا شيء ساه ، ولا إله إلا هو مع { أَمَرَ } فيما أنزل من الكتب على أنبيائه ورسله { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ولا ترجعوا أيها الأظلال الهالكة والعكوس الباطلة { إِلاَّ إِيَّاهُ } إذ به وبامتداد أظلال أوصافه وأسمائه ظهرت أشباحكم ، ولاحت تماثيلكم وأرواحكم ، فلا رجوع لكم إلاَّ { ذٰلِكَ } أي : طريق التوحيد ، هو { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي : الأقوم والأعدل ، الذي لا عوج فيه أصلاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } لكثافة حجتهم وغلظ غيظتهم وأغشيتهم { لاَ يَعْلَمُونَ } [ يوسف : 40 ] ولا يفهمون سر سريان الوحدة في الكثرة ، فحُجبوا بالمظاهر المتكثرة عن الوحدة الظاهرة فانصرفوا عن طريق الحق إلى الباطل { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . ثم لما دعاهما إلى الإيمان والتوحيد ، ونبه عليهما طريقه ، اشتغل بتعبير رؤياهما ، فقال منادياً لهما أيضاً : { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا } وهو الشرابي { فَيَسْقِي رَبَّهُ } أي : سيده وملكه { خَمْراً } على ما كان عليه بلا احتياج إلى تأويل { وَأَمَّا ٱلآخَرُ } وهو الخبار { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } هذا ما ظهر لي في تأويل رؤياه بتوفيق الله إياي : وبعدما سمعا منه التأويل قالا : كذبنا فيما قلنا لك واستعبرنا منك ، قال يوسف عليه السلام : { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [ يوسف : 41 ] أي : حكم حكماً مبرماً على الوجه الذي ذكر في حضرة علم الله ولوح قضائه ؛ لأن الأمر الذي جرى على لسان الأنبياء لا بدَّ أن يقع ؛ إذ لا جريان للكذب وعدم المطابقة في ألسنة الأنبياء والرسل .