Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 81-86)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ } بسرقته { إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } أيقنا أنه سارق ، وما علمنا إلا بالمشاهدة والإحساس بأن استخرج صاع الملك من رحله ، وإنا { وَ } إن كنا حفيظاً له رقيباً عليه عما يعرضه ويشينه لكن { مَا كُنَّا لِلْغَيْبِ } المستور عنا { حَافِظِينَ } [ يوسف : 81 ] إذ لا اطلاع لنا على سره . { وَ } إن لم تقبل يا أبانا قولنا { سْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } أي : أهلها { ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } لدى الحوامل وتهيئة الأسباب { وَ } أسهل من ذلك اسأل { ٱلْعِيْرَ } أي : القفل { ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } إذ هم رفقاؤنا معنا حين سرق ابنك وأخذوه ، مع أنا اجتهدنا كثيراً أن يؤخذ منا واحد بدله لم يقبلوا منا ، وقالوا : ما نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ، وإن مضينا على مقتضى مقترحكم نكون من الظالمين بأخذ البريء بدل الجاني ، مع أن يهودذا أو روبيل قد تخلف عنا خوفاً من الحدث واستحياء منك { وَ } الله يا أبانا { إِنَّا لَصَادِقُونَ } [ يوسف : 82 ] فيما حينا لك عما جرى علينا مما تم . ثم لما سمع تعقوب ما سمع تأسف وتأوه وبكى كثيراً { قَالَ } من أين يعرف العزيز أن السارق يؤخذ لسرقته { بَلْ سَوَّلَتْ } أي : زينت حسنت { لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أن تفرقوا أبني عني ظلماً وزوراً كما فرقتم أخاه فيما مضى { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي : أمري صبر جميل ؛ إذ الصبر أجمل مني فيما فرطتم في ابنيَّ أيها المسرفون المفسدون { عَسَى ٱللَّهُ } المطالع بحالي وحزني بمقتضى لطفه وسعة جوده ورحمته { أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ } أي : يوسف وأخيه وكبيركم المتخلف عنكم { جَمِيعاً } مجتمعين { إِنَّهُ } سبحانه ذاته { هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بمناجاة عباده ونيلهم إلى حاجاتم { ٱلْحَكِيمُ } [ يوسف : 83 ] في أفعاله على مقتضى مصالح عباده . { وَ } بعدما سمع منهم أبوهم { تَوَلَّىٰ } وانصرف وأعرض { عَنْهُمْ } مغاضباً عليهم مشتكياً إلى ربه من أفعالهم { وَقَالَ } من شدة حزنه وكآبته وهاية ضجرته على مفارقة ابنيه : { يَٰأَسَفَىٰ } أي : يا حزني وشدة بلائي ويا حسرتي وحرقة قلبي وكبدي ، وبالجملة : يا هلكتي تعالي ؛ إذ لم يبقَ بيني وبينك ما يبعدني عنك ويبعدك عني { عَلَى يُوسُفَ } خصه بالذكر لأنه عمدة محبته وزبدة مودته ، مع أنه يتردد في حياته ويجزم بحياة الآخرين { وَ } لما تمادى ألمه تطاول حزنه وأسفه { ٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ } كثرة { ٱلْحُزْنِ } قبل فقدان هذين الابنين وبعد فقدانهما { فَهُوَ } نفسه { كَظِيمٌ } [ يوسف : 84 ] مملوء من الحزن والبلاء كأنه مجسم منها ، متجرع الغصص والألم من بنيه . ثم لما رأى الناس ما رأوا منه من قلة الأكل والشرب وذوبان الجسم ونقصان القوى البشرية والسهر المفرط واستمرار الأسف والحزن { قَالُواْ } متعجبين من حاله مقسمين على هلاكه : { تَاللهِ تَفْتَؤُاْ } أي : لا تزال { تَذْكُرُ يُوسُفَ } على هذا المنوال { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } مريضاً مهزولاً مدقوقاً مشرفاً على الهلاك { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } [ يوسف : 85 ] . ثم لما بالغوا في منعه عما عليه من الكآبة والحزن والتأوه والبكاء { قَالَ } في جوابهم مستنكراً عليهم : { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي } أي : ما أبث وأنشر شكواي { وَحُزْنِي } المفرط الخارج عن التصبر { إِلَى ٱللَّهِ } المطلع لما في قلبي من الحرقة والألم ؛ رجاء أن يزيل عني ما يؤذيني ويوصلني بلفطه وجوده إلى ما يسرني ويفرج عني { وَ } اعلوا أيها اللائممون المبالغون في منعي أنهي بإلهام الله ووحيه إليَّ { أَعْلَمُ مِنَ } كرم { ٱللَّهِ } وسعة جوده وفضله { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يوسف : 86 ] أنت أيها اللائمون ، بل إنما حملني الله وأزعجني على بث الشكوى ونشر النجوى معه وإظهار التذلل والخشوع والتضرع والخضوع نحوه ، حتى لا أقنطه عن ملاقاة يوسف ولا أترك المناجاة مع الله لأجله وإن تطاولت المدة .