Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 87-90)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما استروح يعقوب من روح الله واستنشق من نسمات رحمته ، نادى بنيه نداء مرحمة وإشفا ؛ ليقبلو إليه بعدما آيسوا عنه وعن عطفه ؛ إذ بالغوا في سوء الأدب معه وإيقاعه بانواع المحن والشدائد ، فقال : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ } إلى مصر مرة أخرى { فَتَحَسَّسُواْ } أي : تفحصوا وتطلبوا أصالة { مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } بنيامين تبعاً { وَلاَ تَيْأَسُواْ } أي : لا تقنطوا يا بني { مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } وتنفيسه تفريجاً لهم ؛ إذ نحن معاشر الأنبياء لا يليق بنا اليأس والقنوط عن كرم الله وجوده في حال من الأحوال { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ } أي : لا يقنط { مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } وكمال قدرته وسعة جوده { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] الساترون بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق السارية المتجلية في الآفاق الفائضة عليهم سجال الفضل والكرم على مقدار قابلياتهم واستعدادتهم . فعليكم ألا تقنطوا من الله في حال من الأحوال ، بل اعتقدوا أن له التصرف والقدرة التامة والإرادة الكاملة على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . ثم لما صمموا العم بالخروج إلى مصر كرة أخرى بإذن أبيهم وخرجوا من عنده وساروا إلى أن وصلوا مصر { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي : على يوسف { قَالُواْ } أولاً : { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } أي : الجدب وشدة الجوع { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } قليلة رديئة { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } وتممه لنا من جاهك وإحسانك { وَ } قالوا ثانياً : { تَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } برد أخينا لنرده إلى أبيه المحزون ، فإنه قد أشرف على الهلاك من شدة الحزن والأسف { إِنَّ ٱللَّهَ } المجازي عن أعمال عباده { يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } [ يوسف : 88 ] المؤمنين منهم جزاءً حسناً ، لا جزاء أحسن منه . ثم لما سمع يوسف من أسف أبيه وشدة كربه وكآبته وأبيضاض في عينيه وهزال جمسه وإشرافه على الانهدام والانخرام ، شرع يظهر أمره عليهم حيث { قَالَ } تفضيحاً لهم وتقريعاً : { هَلْ عَلِمْتُمْ } أيها المفسدون قبح { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } من الزجر والإذلال والضرب والشتم وأنواع المكروهات والمذمومات ، سيما ما شريتموه بثمن بخس دراهم معدودة لتبعدوه عن وجه أبيه ، وتطردوه عن ساحة عز حضوره { إِذْ أَنتُمْ } قوم { جَاهِلُونَ } [ يوسف : 89 ] بألاَّ مرد لقضاء الله ، ولا معقب لحكمه ، بعفل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فاجتهدتم لهدم بناء الله وتغيير مراده ورد قضائه مبارزة عليه وخروجاً بين يديه . ط وبعدما سمعوا منه ما سمعوا { قَالُوۤاْ } مخبتين خاضعين متذليين بعدما عرفوه مستفهمين على سبيل التقرير والتثبيت : { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } أيها العزيز { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ } بن يعقوب الذي فعلتم به ما فعلتم { وَهَـٰذَا أَخِي } بنيامين من أبي وأمي { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ } بأنواع الكرم والإحسان ، ووقانا عما قصدتم علينا من السوء والإذلال وأنواع الوبال والنكال { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } عن محارم الله وعما لا يرضى به الله { وَيَِصْبِرْ } على ما جرى عليه من القضاء { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الرقيب المطلع لأحوال عباده { لاَ يُضِيعُ } أي : لا يهمل ولا ينقص { أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 90 ] الذين يحسنون الأدب مع الله ويعبدونه كأنهم يرونه .