Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 42-58)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ عِبَادِي } الذين هم تحت قبابي { لَيْسَ لَكَ } أيها المضل المغوي { عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي : استيلاء وغلبة { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الحجر : 42 ] الضالين بإغوائك عن منهج اليقين ، وهم وإن كانوا من جنسهم صورةً ليسوا منهم حقيقةً . { وَإِنَّ جَهَنَّمَ } البعد والخذلان { لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 43 ] أي : تابعاً ومتوبعاً . { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } على عدد مداخلها من الشهوات السبعة المقتضية إياها ، المذكورة في كريمة { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ } [ آل عمران : 14 ] . { لِكُلِّ بَابٍ } من الأبواب السبعة الجهنمية { مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } [ الحجر : 44 ] أي : طائفة مفروزة منهم بالدخول من كل بابٍ ، وإن كان الكل شريكاً في الكل . ثمَّ قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } المخلِّصين نفوسهم عن وسوسة الشياطين { فِي جَنَّاتٍ } منتزهاتٍ من العلم والعين والحق { وَعُيُونٍ } [ الحجر : 45 ] جاريات من زلال الحقائق والمعارف ، صافياتٍ عن كدر الرياء ودرن التقليدات . ويقول لهم الملائكة حين وجدانهم متصفين بحيلة التقوى : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ } أي : سالمين عن شدائد الحساب وصعوبته { آمِنِينَ } [ الحجر : 46 ] عن خوف العذاب والعقاب . { وَ } كيف لا يكونون سالمين آمنين ؛ إذ { نَزَعْنَا } وأخرجنا بنور الإيمان والتوحيد { مَا فِي صُدُورِهِم } وضمائرهم { مِّنْ غِلٍّ } أي : حقدٍ وحسدٍ متمكن في نفوسهم ، متعلق لبني نوعهم حتى صاروا { إِخْوَٰناً } أصدقاء متكئين { عَلَىٰ سُرُرٍ } متساوية من الصداقة { مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] متناظرين مطالعين كل منهم في مرآة أخيه محامد أخلاقه ، ومحاسن شيمه . { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } [ الحجر : 48 ] حتى يخافوا منه ، بل هم فيها خالدون مخلدون ، مستمرون ما شاء الله . ثمَّ قال سبحانه تسليةً لعموم عباده ، وتبشيراً لهم بسعة فضله ورحمته : { نَبِّىءْ } أي : أخبر وأعلم يا أكمل الرسل المبعوث على كافة الأمم عموم { عِبَادِي } مؤمنهم وكافرهم ، مطيعهم وعاصيهم { أَنِّي } من كمال برّي ومرحمتي إياهم { أَنَا ٱلْغَفُورُ } المبالغ في الستر والعفو لمن استرجع إلي ، واستغفر عن ظهر القلب ، وأناب عن محض الندم { ٱلرَّحِيمُ } [ الحجر : 49 ] لهم ، أرحمهم وأقبل منهم توبتهم ، وأعفو عنهم زلتهم . { وَ } أي : محنة وعناء حتى يشوشوا بها { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } نبئهم أيضاً { أَنَّ عَذَابِي } وانتقامي وبطشي على من أصر على عنادي ، واستمر على ترك طاعتي وانقيادي { هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [ الحجر : 50 ] المؤلم المستمر الذي لا نجاة لأحد فيه . { وَ } إن أنكروا على إنعامي وانتقامي { نَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [ الحجر : 51 ] تبييناً وتوضيحاً لهم . وقت { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ } جرد مرد ، صباح ملاح { فَقَالُواْ } ترحيباً وتكريماً : { سَلاماً } أي : نسلم عليك سلاماً ، ثمَّ لما تفرس إبراهيم بنور النبوة أنهم ملائكة جاءوا بأمر خطير { قَالَ } على سبيل المخالفة : { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [ الحجر : 52 ] أي : خائفون ؛ لأنهم جاءوا هفوة ، ودخلوا عليه بغتة بلا إذن واستئذان على عادة المسافرين ، ولا يظهر عليه أثر السفر . { قَالُواْ } آمناً له ، وتسكيناً لخوفه واضطرابه : { لاَ تَوْجَلْ } منَّا { إِنَّا نُبَشِّرُكَ } من عند ربك { بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الحجر : 53 ] قابل للنبوة والرسالة ، والحكمة الكاملة . { قَالَ } إبراهيم عليه السلام متأوهاً آيساً ، مستفهماً على سبيل الاستبعاد : { أَبَشَّرْتُمُونِي } أيها المبشرون في زمانٍ قد انقطع الرجاء فيه عادةً { عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] المانع من الاستيلاء والاستنماء العادي ؛ إذ هو في سنٍ قد انقطعت الشهوة عنه ، وعن زوجته أيضاً ؛ إذ هما في سن الهرم والكهولة . { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ } ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع بإذن الحق ، وعلى مقتدى قدرته الكاملة بإيجاد شيء بلا سبق السبب العادي له { فَلاَ تَكُن } أيها النبي المتمكن في مقام الرضا والتسليم ، المسند المفوِّض جميع الحوادث الكائنة في علام الكون والفساد إلى الفاعدل المختار بلا اعتبار الوسائل والأسباب { مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ } [ الحجر : 55 ] الجازمين بفقدان الشيء عند فقدان أسبابه العادية . { قَالَ } مستبعداً مستوحشاً : { وَمَن يَقْنَطُ } وييأس { مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ } التي وسعت كل شيء على مقتضى جوده تفضلاً بلا سبق استحقاق واستعدادٍ أسباب { إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [ الحجر : 56 ] المقيَّدون بسلاسل الأسباب الطبيعية ، وأغلال الوسائق الهيولانية ، ونحن معاشر الأنبياء لا نقول بأمثال هذه الأباطيل الزائغة . ثمَّ لما جرى بينهم ما جرى { قَالَ } ابراهيم عليه السلام على مقتضى نفوسه منهم : { فَمَا خَطْبُكُمْ } أي : أمركم العظيم الذي جئتم لأجله { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الحجر : 57 ] المهيبون ؟ . { قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } [ الحجر : 58 ] خارجين عن مقتضى العقل والشرع والطبع ؛ إذ فعلتهم الفاحشة الشنيعة مما يستقبحه ويستكرهه العقول والطباع مطلقاً ، فكيف الشرع ، فنلهكهم اليوم بالمرة على مقتضى أمر الله وقدره .