Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 115-122)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } أي : اعلموا ما حرَّم عليكم ربكم في دينكم إلاَّ الميتة المائتة حتف أنفه بلا تزكية وتسمية { وَٱلْدَّمَ } المسفوح السائل من الحيوانات المباحة { وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } وسُمِّي عليه من أسماء الأصنام { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } منكم أيها المؤمنون إلى أكل هذه المحرمات ، حال كونه { غَيْرَ بَاغٍ } خارج على السلطان العادل ، المقيم للشرائع والأحكام { وَلاَ عَادٍ } مجاوزٍ عن الحدود الشرعية لغرضٍ فاسدٍ من أنواع المعاصي ، وقطع الطريق والإباق { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على سرائر عباده وضمائرهم { غَفُورٌ } يستر زلتهم الاضطرارية { رَّحِيمٌ } [ النحل : 115 ] يقبل توبتهم عنها . ثمَّ نهاهم سبحانه عن التقويل بالأقوال الفاسدة من تلقاء أنفسهم ، ومقتضى أهوائهم ، كما يقول المشركون المسرفون ، فقال : { وَلاَ تَقُولُواْ } أيها المتدينون بدين الإسلام المنزل على خير الأنام { لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ } أي : شيء نصف ومراءً ، بأن تقولوا : { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } وتنسبوه إلى الله { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } تزينناً لقولكم الباطل ، وترويجاً له ، كما قالوا : { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [ الأنعام : 139 ] ، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ } وينسبون { عَلَىٰ ٱللَّهِ } المنزه عن مطلق الأباطيل { ٱلْكَذِبَ } ظلماً وزوراً { لاَ يُفْلِحُونَ } [ النحل : 116 ] ولا يفوزون بخير الدارينز إذ نفعهم فيما يفترون ويكذبون { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } ومنفعةً صغيرةً لا اعتداد بها { وَلَهُمْ } بسبب ذلك في النشأة الأخرى { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النحل : 117 ] مؤلمٌ مؤيدٌ لا نجاة لهم منه أصلاً . { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } في سورة الأنعام ، حيث قلنا : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [ النعام : 146 ] { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } في تحريم ما حرمنا عليهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 118 ] أي : هم يظلمون أنفسهم بارتكاب المعاصي والمناهي ، وترك المأمورات والمندوبات ؛ لذلك عُوقبوا وأُخذوا بما أُخذوا . { ثُمَّ } بشِّر سبحانه على عموم أصحاب المعاصي والآثام بالعفو والمغفرة ، والشفقة عليهم بعدما تابوا وندموا عما هم عليهم مخلصين ، فقال لحبيبه : { إِنَّ رَبَّكَ } الذي يعثك يا أكمل الرسل إلى كافة البرايا بشيراً ونذيراً ، يحسن ويرحم { لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ } أي : الفعلة القبيحة ، والديدنة الشنيعة المذمومة في الشرع ، مع كونهم في حين ارتكابها ملتبسين { بِجَهَالَةٍ } ناشئةٍ من عدم التدبر والتأمل بوخامة عواقبها شرعاً مع تدينهم ، وقبولهم بأحكام الشريعة ، وكانوا ممن لا يؤمن ، ولا يقبل ما رود به الشرع { ثُمَّ تَابُواْ } وندموا { مِن بَعْدِ } ارتكاب { ذَلِكَ } السوء { وَأَصْلَحُوۤاْ } بالتوبة والاستغفار ما أفسدوا على نفوسهم بالفساد والإصرار { إِنَّ رَبَّكَ } المحسن المفضل على التائب المخلص { مِن بَعْدِهَا } أ ي : بعد التوبة والندم { لَغَفُورٌ } يستر ذلتهم { رَّحِيمٌ } [ النحل : 119 ] يقبل توبتهم . ثمَّ أشار سبحانه إلى فضائل خليله - صلوات الرحمن عليه وسلامه - وكمال كرامته ، نجابة فطرته ، وطهارة أصله وطينته ، وعلو شأ ، ه ورتبته ، وارتفاع قدره ومنزلته - فقال : { إِنَّ } جدّك يا أكمل الرسل { إِبْرَاهِيمَ } الذي اختاره الله لخلته ، واصطفاه لرسالته { كَانَ أُمَّةً } أي : إماماً مقتدىً ، لائقاً للقدوة بالأمور الدينية ؛ لأنه كان { قَانِتاً } مطيعاً { لِلَّهِ } راغباً إلى امتثال مأموراته ، واجتناب منهياته { حَنِيفاً } مائلاً عن الأديان الباطلة ، والآراء الفاسدة { وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ النحل : 120 ] في حالٍ من الأحوال . بل هو رأس الموحدينن ، ورئيس التحقق واليقين { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } أي : صارفاً لنعم الله إلى ما خلقه سبحانه لأجله على الوجه الأعدل الأقوم بلا تبذيرٍ وتقتيرٍ ، طالباً فيه رضاء الله بلا شائبةٍ من الرياء والسمعة ؛ لذلك { ٱجْتَبَاهُ } واختاره للرسالة العامة { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 121 ] موصلٍ إلى توحيده بلا عوجٍ وانحرافٍ . { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا } من لدنا تفضلاً عليه وإحساناً { حَسَنَةً } صورية إلى حيث لا تنقطع آثار إنفاقه وجُوده إلى يوم القيامة { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النحل : 122 ] لقبولنا ، الواصلين إلى صفاء توحيدنا .