Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 27-33)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ } بعد تعذيبهم في النشأة الأولى { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي : يخذلهم الله ، ويرديهم بتكذيب كلام الله ورسوله { وَيَقُولُ } لهم سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ } أيها الضالون المضلون ، والمنهمكون في الغي والضلال { تُشَاقُّونَ } وتعادون { فِيهِمْ } أي : في حقهم وشأنهم المؤمنين ، وتعارضون معهم بادعاء الألوهية لأولئك التماثيل العاطلة الباطلة ، ادعوهم حتى ينجوكم ويخصلوكم من عذابي وبطشي { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من الأنبياء ةالرسل ، وخلفائهم الذين دعوهم إلى الإيمان فلم يؤمنوا ، بل يكذبونهم وينكرون عليهم ، وعلى دينهم ونبيهم حين أبصروا أخذ الله إياهم شامتين لهم ، متهكمين عليهم : { إِنَّ ٱلْخِزْيَ } أي : الذلة والصغار { ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ } المفرط المجاور عن الحد نازلُ { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ النحل : 27 ] المستكبرين الذين كذبوا الرسل ، وأنكروا الكتب ، واستهزءوا معهم . وهم { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } الموكلون عليهم حين معارضتهم بالقرآن وتكذيبهم إياه وبمن أُنزل إليه ، مع كونهم { ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } ومعارضيها على العذاب الأبدي ، ثمَّ لما عيانوا في النشأة الآخرة بحقيته وصدقه ، ومطابقته للواقع { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } أي : الانقياد والتسليم ، مبرئين نفوسهم عن التكمذيب والإساءة مع القرآن ، قائلين : { مَا كُنَّا } في النشأة الأولى { نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } أي : ما نريد ونعتقد الإساءة في حقه ، فيقول الملائكة لهم على سبيل التهكم : { بَلَىٰ } أنتم لا تسيئون الأدب مع الرسول والقرآن { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع بجميع ما كان ويكون { عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 28 ] من الرد والإكار والتكذيب ، فيجازيكم على مقتضى علمهز ثمَّ قيل لهم زجراً وقهراً : { فَٱدْخُلُوۤاْ } أيها المشركون المستكبرون ، المعاندون مع الله ورسوله { أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } كل فرقة منكم من باب منها ، على تفاوت طبقاتكم في موجباتها ، وادخلوا أنواع عذابها ونكالها ، حال كونكم { خَالِدِينَ فِيهَا } مخلدين مؤيدين { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } [ النحل : 29 ] جنهم البعد والخذلان التي هي منزل الطرد والحرمان . { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } عن محارم الله ، وحفظوا نفوسهم عن العرض على المهالك الموجبة لسخط الله وعضبه : { مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } على نبيكم لتربية دينكم ، وتصفية مشربكم عن أكدار التقليدات والتخمينات { قَالُواْ } أنزل { خَيْراً } محضاً في النشأة الأولى والأخرى ، أما في الأولى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا } وعملوا الصالحات المقربة إلى الله { حَسَنَةٌ } كاملة من العلوم والمعارف المثمرة للمكاشفات والمشاهدات { وَ } أما في الآخرة : فا { لَدَارُ ٱلآخِرَةِ } المعدة للفوز بشرف اللقاء ، والوصول إلى سدرة المنتهى { خَيْرٌ } من جميع الكاملات الأقصى ، والدرجات العليا { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } [ النحل : 30 ] المتحفظين نفوسهم عن الالتفات إلى ما سوى الحق . دار الآخرة التي هي { جَنَّاتُ عَدْنٍ } مصونة عن أمارات الكثرة المشعرة للاثنينية { يَدْخُلُونَهَا } مجردة عن جلباب التعينات العدمية { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } المنتشئة عن التجليات المترتبة على الأوصاف الذاتية الإلهية { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } من مقتضيات الأوصاف اللطفية الحبية الجمالية { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } [ النحل : 31 ] المائلين عن غير الله مطلقاً ، الباذلين مهجهم في سبيله طوعاً المنخلعين عن مقتضيات أوصاف بشريتهم إرادةً واختياراً ، الصابرين على ما جرى عليهم من القضاء تسليماً ورضاً . وهم { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } الموكلون عليهم في نشأتهم ، حال كونهم { طَيِّبِينَ } طاهرين عن خبائث الإمكان ، ورذائل الخذلان والخسران ، الناشئة من ظلمات الطبائع والأركان { يَقُولُونَ } أي : الملائكة المأمورين لقبض أرواحهم عند قبضها : { سَلامٌ عَلَيْكُمُ } أيها الصابرون في البلوى ، السائرون إلى المولى { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } التي هي خير المنقلب والمثوى ، وفوزوا بشرف اللقيا { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النحل : 32 ] في النشأة الأولى من الإعراض عن مقتضيات الهوى ، ومن الرضا بالقضاء ، ومن الصبر على العناء ، والشوق إلى الفناء . ثمَّ قال سبحانه توبيخاً وتقريعاً على المشركين : { هَلْ يَنْظُرُونَ } أي : ما ينتظرون أولئك التائهون في تيه الغفلة والغرور { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } المأمورون لقبض أرواحهم الخبيثة { أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل ؛ أي : يوم القيامة المعدة لتعذيبهم وانتقامهم { كَذَلِكَ } أي : مثل إمهال هؤلاء الهالكين وإهمالهم في أمر الإيمان { فَعَلَ ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } في زمن الأنبياء الماضين { وَ } بالجملة : { مَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } المجازي لهم على مقتضى إساءتهم { وَلـٰكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ النحل : 33 ] أي : يظلمون هم أنفسهم بعرضها على المهالك الموجبة أنواع العذاب والعقاب من تذكيب الرسل ، وإنكار الكتب ، وترك المأمورات ، وإرتكاب المنهيات .