Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 34-39)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } عتواً وعناداً { وَحَاقَ } وأحاط { بِهِم } جزاء { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ النحل : 34 ] استكباراً واستنكاراً . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } من غاية انهماكهم في الغي والضلال ، وشدة إنكارهم وشكيمتهم ، متهكمين على وجه الاحتجاج : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد ، المستقل في الأفعال بالإرادة والاختيار ، على زعمكم عدم عبادتنا لآلهتنا وأصنامنا { مَا عَبَدْنَا } ألبتة { مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا } إذ مراده مقضي حتماً { وَ } أيضاً { لاَ حَرَّمْنَا } نحن ولا آباؤنا من البحائر وغيرها { مِن دُونِهِ } أي : بدون إذنه وإرادته ومشيئته { مِن شَيْءٍ } إذ لا يعارض فعله هذا صورة احتجاجهم واستدلالهم . { كَذٰلِكَ } أي : مثل استدلال هؤلاء الطغاة الغواة ، الهالكين في تيه الغفلة والعناد { فَعَلَ ٱلَّذِينَ } خلوا { مِن قَبْلِهِمْ } فأرسل عليهم رسلاً ، فكذبوهم وأنكروا عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأهكلهم بأنواع العذاب والعقاب ؛ لأن إرادة الله لم تتعلق بإيمانهم وهدايتهم { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ } أي : ما على الرسل { إِلاَّ ٱلْبَلاغُ } أي : تبليغ ما أرسلوا به { ٱلْمُبِينُ } [ النحل : 35 ] أي : على وجه التوضيح والتبيين ؛ لئلا يبقى لهم شك وتردد في سماعه ، وأما قبولهم وانصافهم بها وهدايتهم ، فأمرُ استأثروا الله به ، ليس لهم أن يخوضوا فيه ؛ لأنه خارج عن وسعهم وطاقتهم . ثمَّ فصل سبحانه ما أجمل بقوله : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم الهالكة السالفة حين اختل أمور دينهم { رَّسُولاً } منهم ، قائلاً لهم : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } المنصف بالوحدانية والفردانية ، المستقل بالوجود والآثار المترتبة عليه ، المنزه عن الشريك والأمثال { وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } أي : الآلهة المضلة التي أنتم تتخذونها من تلقاء أنفسكم ظلماً وزوراً ، ثمَّ لما بلغهم الرسول جميع ما جاء به من عندنا { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } بأن أراد هدايته فهداه { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ } أي : استمرت وثبتت { عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } وتمرنت بقلبه ؛ لتعلق مشيئة الله بضلاله ، وإن ترددتم فيه { فَسِيرُواْ } أيها الشاكون المترددون { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي مساكنهم ومنازلهم { فَٱنظُرُواْ } واعتبروا من آثارهم وأطلالهم { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ النحل : 36 ] المستهزئين للرسل والكتب . { إِن تَحْرِصْ } يا أكمل الرسل { عَلَىٰ هُدَاهُمْ } وتريد هدايتهم ، إنك لا تهدي من أحببت { فَإِنَّ ٱللَّهَ } الحكيم الهادي لعباده على مقتضى علمه باستعدادتهم { لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } أي : لا يريد هداية من أراد ضلاله في ساب علمه ، ولوح وفضائه { وَمَا لَهُمْ } بعدما أراد الله إظلالهم { مِّن نَّاصِرِينَ } [ النحل : 37 ] ينصرهم على الهداية ، ويشفع فهم حتى ينقذهم على الضلال . { وَ } من خبث طينتهم ، وشدة بغضهم وضغينتهم { قْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : أغلظوا فيها وأكدوا ، قائلين { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّأَهُ } ولا يحيى مرة أخرى { مَن يَمُوتُ } بأن زال الروح الحيواني عنه ، ثمَّ قال سبحانه راداً لهم ، وتخطئة على أبلغ وجه وآكده أيضاً : { بَلَىٰ } يبعثون ؛ إذ وعد الله البعث والحشر { وَعْداً } صدقاً { عَلَيْهِ } سبحانه إنجاز ما وعد { حَقّاً } حتماً وفاءً لوعده ، وإيفاءً لحكمه ، مع أنه القادر المقتدر بالقدرة الكاملة على كل ما دخل تحت حيطة إرادته ومشيئته { وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 38 ] حق قدرته ، وقدر قدرته وسطوته وسطوته وبسطته . وإنما ينجز الوعد الموعود { لِيُبَيِّنَ } ويوضح { لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } بل يستعبدونه ويستحيلونه { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } له ، وأنكروا عليه عناداً ومكبارةً { أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ } [ النحل : 39 ] في إصرار عدم وقوعه وتكذيبه .