Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 40-46)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكيف تستبعدون أيها المنكرون أمثال هذا عن كمال قدرتنا وعلمنا وإرادتنا { إِنَّمَا قَوْلُنَا } وحكمنا حين تعلق إرادتنا { لِشَيْءٍ } أي : الإظهار شيء من الأشياء المثبتة في لوح قضائنا ، وحضرة علمنا ، أي : شيء كان عظيماً أو حقيراً { إِذَآ أَرَدْنَاهُ } أن يوجد ويتحقق في عالم الشهادة { أَن نَّقُولَ لَهُ } على مقتضى صفتنا القديمة التي هي الكلام ، فارضين وجوده وتحققه ؛ إذ هو عدم صرف ، ولا شيء محض : { كُنْ } كالمكونات الأخر { فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] بلا تراخ ومهلة وامتداد ساعة ولحظة ، بل التلفظ بحرف التعقيب بين الأمر الوجودي الإلهي ، وحصول المأمور المراد له سبحانه ، إنما هو من ضيق العطف وضرورة التعبير ، وإلاَّ فلا ترتب بينهما إلاَّ وهماً ؛ إذ الترتب إنما يحصل من توهم الزمان والآن ، وعنده سبحانه لا زمان ولا مكان ، بل له شأن لا يسع في زمان ومكان . ثمَّ أشار سبحانه إلى علو درجة المؤمنين ، وارتفاع شأنهم ، ورفعة قدرهم مكانهم ، فقال : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } عن بقعة الإمكان ، حال كونهم سائرين { فِي } سبيل { ٱللَّهِ } بعدما حصل لهم مرتبة التمكن والاطمئنان { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } بتسلط الأمارة عليهم زماناً { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } ونمكنهم { فِي ٱلدُّنْيَا } أي : في نشاـهم الأولى { حَسَنَةً } أي : حصة كاملة ، وحظّاً وافراً من المعارف والحقائق إلى حيث انخلعوا عن اللوازم البشرية بالمرة ، وماتوا عن أوصاف البهيمية إرادةً واختياراً { وَ } مع ذلك { لأَجْرُ ٱلآخِرَةِ } المعدة لرفع الحجب ، وكشف الغطاء واسدل { أَكْبَرُ } قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعمل لذةً { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 41 ] ويفهمون لذته بالذوق لمالوا إليه زيادة ميل ، واجتهدوا نحوه زيادة اجتهاد ، رزقنا الله الوصول إليه ، والحصول دونه ، وأذاقنا لذاته . وأيضاً { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على ما أصابهم من المصيبات والبليات ، مسترجعين إلى الله في جميع الحالات { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي : لا على غيره من الوسائل والأسباب { يَتَوَكَّلُونَ } [ النحل : 42 ] في جميع شئونهم وتطوراتهم . { وَ } كيف يستبعدون رسالتك يا أكمل الرسل أولئك المشركون المعاندون ؛ إذ { مَآ أَرْسَلْنَا } للرسالة العامة رسلاً { مِن قَبْلِكَ } مبشرين ومنذرين { إِلاَّ رِجَالاً } أمثالك { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } شعائر الدين والإيمان ، وننزل عليهم الكتب المبينة لأحكامها ، فإن لم يقبلوا منك ، ولم يعتقدوا صدقك ، فقل لهم : { فَٱسْأَلُواْ } أيها المكابرون المعاندون ، الجاهلون بحال من مضي من الأنبياء { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } والعلم منكم ، وهم الأحبار والقسيسون { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] صدقه ومطابقته للواقع . وكما أيدنا الرسل والأنبياء الماضين { بِٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحة { وَٱلزُّبُرِ } اللائحة ترويجاً لما جاءوا به ، وأرسلوا معه ؛ ليبينوا ويوضحوا بها أحكام أديانهم { وَ } كذلك أيضاً { أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل { ٱلذِّكْرَ } أي : الكتاب المعجز المشتمل على شعائر الإسلام وأحكامه { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ } المتوغلين في الغفلة والنسيان { مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } من عند ربهم على مقتضى إزمانهم وأطوارهم من الأوامر والنواهي ، والآداب والأخلاق { وَلَعَلَّهُمْ } بعد تبليغك إياهم ، وتبيينك لهم { يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 44 ] في آياته وأحكامه ، ويتأملون في حكمه ومرموزاته ؛ كي يتفطنوا إلى معارفه وحقائقه ، وكشوفاته وشهوداته الموعودة فيه . ثمَّ قال سبحانه تهديداً على أهل الزيغ الضلال ، المنحرفين عن طريق الحق عتواً وعناداً : { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } واحتلوا لهلاك الأنبياء ، سيما معك يا أكمل الرسل ، ولم يخافوا { أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ } القادر الغالب على الانتقام { بِهِمُ ٱلأَرْضَ } كما خسفنا على قارون { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ } بغتةً ، حال كونهم بائتين في مراقدهم { مِنْ حَيْثُ } هم { لاَ يَشْعُرُونَ } [ النحل : 45 ] أماراتها ومقدماتها . { أَوْ يَأْخُذَهُمْ } العذاب وهم { فِي تَقَلُّبِهِمْ } وتحركهم دائرين مترددين { فَمَا هُم } حين أخذه { بِمُعْجِزِينَ } [ النحل : 46 ] مقاومين قادرين على دفع قهر الله وعذابه .