Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 47-55)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ } العذاب { عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } وتنقص من أموالهم وأولادهم على سبيل التدريج إلى أن يستأصلهم بالمرة { فَإِنَّ رَبَّكُمْ } أيها المجترئون على الله ورسوله ، المسيئون الأدب معهما { لَرَؤُوفٌ } عطوف مشفق ، لا يعاجلكم بالعذاب { رَّحِيمٌ } [ النحل : 47 ] يمهلكم ويؤخر انتقامكم رجاء أن تتذكروا وتتعظوا . { أَ } يصرون ويستمرون أولئك المشركون المسرفون على الشرك والنفاق { وَلَمْ يَرَوْاْ } وينظروا نظر العبرة والاستصبار { إِلَىٰ } انقياد جميع { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } وأوجده وأظهره من كتم العدم إظهاراً إبداعياً لحكمه وأمره { مِن شَيْءٍ } من الأشياء التي { يَتَفَيَّؤُاْ } أي : يميل وينقلب { ظِلاَلُهُ } بانقلاب الشمس وحركتها { عَنِ ٱلْيَمِينِ } مرة { وَٱلْشَّمَآئِلِ } أخرى ، على مقتضى اختلاف أوضاع الشمس ، حال كونهم { سُجَّداً } ساجدين متذللين خاضعين ، واضعين جباهم على تراب المذلة إطاعةً وانقياداً { لِلَّهِ } الواحد الأحد ، المستقل في الألوهية والربوبية { وَهُمْ } في جميع حالاتهم وتقلباتهم { دَاخِرُونَ } [ النحل : 48 ] ضاغرون ذليلون ، خائفون من جلال الله وكبريائه ، مستوحشون على سطوة قهره ، وصولة استيلائه . { وَ } كيف يستكبرون أولئك المشركون المنكرون عن انقياد الله وإطاعته ؛ إذ { لِلَّهِ } لا لغيره من الأظلال الهالكة ، والتماثيل الباطلة { يَسْجُدُ } ويتذلل طوعاً وطبعاً جميع { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَ } كذا جميع { مَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ } تتحرك تخرج من العدم نحو الوجود بامتدااد أظلال الأوصاف الإلهية ، ورش رشحات زلال وجوده عليها { وَ } خصوصاً { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } المهيمون المستغرقون في مطالعة جمال الله وجلاله { وَهُمْ } من غاية قربهم ، وتنزههم عن العلائق المبعدة عن الله ، وتجردهم عن أوصاف الإمكان مطلقاً { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ النحل : 49 ] عن عبادة الله ، والتذلل نحوه ، فكي أنتم أيها الهلكي الغرقى ، المنغمسون في بحر الغفلة والضلال . وإنما يسجد أولئك الساجدون المتذللون ؛ لأنهم { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ } القادر على الإنعام والانتقام أن يرسل عليهم عذاباً { مِّن فَوْقِهِمْ } لأنهم مقهورون تحت قبضة قدرته { وَ } لذلك { يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ النحل : 50 ] ويجتنبون عما ينهون . { وَ } كيف لا تمنعون عن إثبات الشركاء لله الواحد الأحد الصمد أيها المشركون المعاندون بعدما { قَالَ ٱللَّهُ } عز شأنه ، وجل بركاته : { لاَ تَتَّخِذُواْ } أيها المكلفون بالإيمان والعرفان { إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } مستحقين للعبادة والانقياد ، فيكف الزيادة { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } يُعبد بالحق ، يُرجع نحوه في الوقائع ، ويُفوض إليه الأمور كلها ، وما هو إلاَّ أنا { فَإيَّايَ } لا إلى غيري من مخلوقاتي ومصنوعاتي { فَٱرْهَبُونِ } [ النحل : 51 ] أي : خصوني بالخوف والرجاء ، وارجعوا إليّ عند هجوم البلاء ، ونزول القضاء ؛ إذ لا راد لقضائي إلاَّ فضلي وعطائي . { وَ } كيف لا يُرجع إليه ، ويُستغاث منه ، مع أن { لَهُ } ومنه { مَا } ظهر { فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسماء والصفات التي هي الفواعل والمفيضات المؤثرات { وَ } ما ظهر في { ٱلأَرْضِ } أي : عالم الطبيعة من الاستعدادات التي هي القوابل المتأثرات من العلويات { وَلَهُ } لا لغيره من الأسباب والوسائل العادية { ٱلدِّينُ } أي : الإطاعة والانقياد ، والتوجه والرجوع { وَاصِباً } دائماً حتماً لازماً { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ } المحيط للكل إحاطة شهود وحضور { تَتَّقُونَ } [ النحل : 52 ] وتحذرون أيها الجاهلون بحق قدره ، مع أنه لا ضار سواه ، ولا نافع غيره ؟ ! . { وَ } واعلموا ايها المجبولون على التكليف أن { مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ } واصلة لكم ، نافعة لنفوسكم ، مسرة لقلوبكم { فَمِنَ ٱللَّهِ } المصلح لأحوالكم ، وصلت إليكم امتناناً عليكم وتفضلاً ؛ إذ لا نافع إلاَّ هو { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ } المشوش لنفوسكم ، القاسي لقلوبكم { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] تتضرعون وتستغيثون ليدفع عنكم أذاكم ؛ إذ لا ضار أيضاً إلاَّ هو . { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ } بعد استغاثتكم ورجوعكم نحوه ؛ إذ لا كاشف سواه { إِذَا فَرِيقٌ } أي : فجاء طائفة { مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ } الذي يدفع أذاهم ، ويكشف ضربهم { يُشْرِكُونَ } [ النحل : 54 ] له غيره من الأصنام والتماثيل العاطلة التي لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، فكيف لغيرهم ؟ ! . وإنما فعلوا ذلك وأشركوا { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } من النعم ، ولم يقوموا بشكرها عناداً ومكابرةً ، بل أسندوها إلى ما لا شعور لها أصلاً ظلماً وزوراً { فَتَمَتَّعُواْ } أيها المشركون بنا ، الكافرون لنعمنا { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 55 ] ما تكسبون لنفوسكم من العذاب المخلد ، والعقاب المؤبد .