Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 87-96)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِلاَّ رَحْمَةً } ناشئة { مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل نازلةً إليك إن سألت منه سبحانه ردّه يردّه تلطفاً وعطفاً { إِنَّ فَضْلَهُ } سبحانه { كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } [ الإسراء : 87 ] مثل اصطفائك من بين البرية ، وإرسالك إلى كافة الناس ، وتأييدك ونصرك في عموم الأوقات ، وغير ذلك . ثم لما قال بعض المعاندين من الكفار الطاعنين في القرآن لو شئنا لقلنا مثل هذا القرآن الذي جئت به يا محمد ، ونسبتَه إلى الله افتراء ، نَزَل : { قُل } لهم يا أكمل الرسل في جوابهم مقسماً مؤكداً : والله { لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ } واتفقوا معارضين { عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } الجامع لأحوال النشأتين ، الواقع في أعلى مراتب البلاغة والفصاحة لما حصل لهم الإيتان بمثله وهم فرادى ، بل { لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } في الجامعية والبلاغية ، واتساق اللفظ والمعنى ، ومتانة النظم والفحوى { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ الإسراء : 88 ] أي : ولو كا نوا متظاهرين متعاضدين في إتيانه ، لم يتأت أيضاً منهم الإتيان ، لكونه خارجاً عن طوق البشر . { وَ } الله { لَقَدْ صَرَّفْنَا } وكررنا { لِلنَّاسِ فِي } حق { هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } المعجز لفظاً ومعنىً { مِن كُلِّ مَثَلٍ } موضحٍ لهم إعجازه ، وخروجه عن معرض معارضة البشر ، وارتفاع شأنه عن القدح والطعن فيه { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } وامتنعوا عن قبوله ، ولم يتفطنوا لإعجازه ، ولم يزيدوا في حقه مع ظهور الدلائل والشواهد المكررة { إِلاَّ كُفُوراً } [ الإسراء : 89 ] جحوداً وإنكاراً بدل القبول واليقين بحقيته . { وَ } مع ظهور هذا المعجز المشتمل لما في العالم غيباً وشهادة ، إجمالاً وتفصيلاً { قَالُواْ } تعننتاً اقتراحاً : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } ونصدّق بكتابك { حَتَّىٰ تَفْجُرَ } وتشقق { لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ } أي : أرض مكة { يَنْبُوعاً } [ الإسراء : 90 ] أي : عيناً جارية نشرب منه ونزرع ونغرس على وجه العموم . { أَوْ تَكُونَ لَكَ } عليها على وجه الخصوص { جَنَّةٌ } أي : بستان مغروسة مملوءة { مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } سهل السقي { فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا } أي : أوسطها { تَفْجِيراً } [ الإسراء : 91 ] سهلاً يسيراً ، بحيث لا تكلف في سقيها أصلاً . { أَوْ } تأتي بآية ملجئةٍ لنا إلى الإيمان بأن { تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ } ونسبته إلى ربك بقوله : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ سبأ : 9 ] { عَلَيْنَا كِسَفاً } أي : قطعةً بعد قطعةٍ حتى نؤمن لك { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ } الذي ادعيت الرسالة والنبوة عنه ، تعالى عن ذلك ، { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ } أي : وتأتي بالملائكة الذين ادعيت وساطتهم ورسالتهم بينك وبين ربك { قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] أي : تأتي بهم بجماعة أو مقابلاً عيناً مشاهداً محسوساً . { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ } متخذ { مِّن زُخْرُفٍ } أي : ذهبٍ وفضةٍ مكللةٍ بجواهز نفيسةٍ { أَوْ تَرْقَىٰ } وتصعد على رؤوس الأشهاد { فِي ٱلسَّمَآءِ } بلا أسبابٍ ووسائلَ { وَ } بعد صعودك وعروجك { لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } أي : لن نؤمن لك ونصدق بمجرد رقيك وعروجك { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً } أي : مكتوباً من عند ربك مشتملاً على أسامينا ودعوتك إيانا إلى الإيمان وتصديقنا بك { نَّقْرَؤُهُ } بين أظهرنا ونؤمن بك بأجمعنا { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما سمعت منهم هذه المقترحات التي ليس في وسعك وطاقتك متعجباً متنزهاً مستبعداً : { سُبْحَانَ رَبِّي } وتعالى من أن يشارَك في قدرته فإن أمثال هذه المقترحات ، إنما تصدر منه سبحانه وتعالى أصالةً ، أو في خلقه وإظهاره في بعض عباده إن تعلق إرادته ، ولم يخلق فيّ بل { هَلْ كُنتُ } أي ما كنتُ { إِلاَّ بَشَراً } ضعيفاً كسائر الناس ، غية الأمر أني بوحي الله وإلهامه عليّ صرت { رَّسُولاً } [ الإسراء : 93 ] كسائر الرسل ، وقد كانوا أيضاً إلا ما يسّر الله لي . { وَمَا مَنَعَ } وصرف { ٱلنَّاسَ } عن { أَن يُؤْمِنُوۤاْ } ويهتدوا وقت { إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي : الرسول الهادي المرشد إياهم ويرشدهم إلى طريق التوحيد والعرفان { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } أي : قَوْلُهُمْ هذا على سبيل الاستبعاد والاستنكار : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ } العليم الحكيم المتقن في أفعاله { بَشَراً } متصفاً بأنواع الجهالات ، منغمساً بأنواع الكدورات { رَّسُولاً } [ إلإسراء : 94 ] إلى بشرٍ م ثلهم ؛ ليهديهم إلى الكمال ويهذبهم عن النقصان ؟ ! كلا وحاشا بل إن أرسل الله رسولاً إلى هداية عباده ، فالمناسب إرسالك الملَك لكونه صافياً عن الكدورات الجسمانية مطلقاً . { قُل } لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا : لا بدَّ بين المفيد والمستفيد من المناسبة والملاءمة المصحِّحة لأمر الإفادة والاستفادة { لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ } سماويون نازلون منها إليها لمصلحة { يَمْشُونَ } عليها { مُطْمَئِنِّينَ } متمكنين { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم } حين احتياجهم إلى الإرشاد والتكميل { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً } مجانساً لهم { رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] إياهم ، ويرشدهم ويهديهم بمقتضى مجانستهم ومناسبتهم . { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما آيست عن إيمانهم وصلاحهم : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ } أي : كفى الله { شَهِيداً } مثبتاً لرسالتي عليكم بإظهار أنواع المعجزات على يدي قاطعاً للنزاع الواقع { بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ } سبحانه بذاته وبحضرة علمه { كَانَ بِعِبَادِهِ } وبجميع ما صدر عنهم من الأعمال على التفصيل { خَبِيراً بَصِيراً } [ الإسراء : 96 ] ذا خبرةٍ وبصارةٍ كاملةٍ ؛ بحيث لا يشذ ! من أحوالهم شيء من علمه وخبرته ، فيجازيهم بكمال قدرته على مقتضى علمه وخبرته .