Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 97-104)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعد ما ثبتَ أن أمرهم موكول إلى الله وحالهم محفوظُ عنده { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } الهادي وتعلَّقَ إرادتهُ بهدايته { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } أي : هو مقصورُ على الهداية لا يتعداها أصلاً { وَمَن يُضْلِلْ } اللهُ ، وتعلَّقَ مشيئتهُ بضلاله { فَلَن تَجِدَ } يا أكمل الرسل { لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ } أي : من دون الله يوالونهم ، ويظاهرون عليهم ، وينقذونهم من بأس الله وبطشه بعدما أخذتهم العزة بإثمهم { وَ } لذلك { نَحْشُرُهُمْ } ونبعثهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } بعد تنقيد أعمالهم منكبين منكوسين { عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } تنفيذاً لأحكامنا ؛ يعني : يُسحبون ويجرون نحو جهنم البعد والخذلان { عُمْياً } لكونهم في النشأة الأولى أعمى من رؤية الحق في المظاهر والأعيان { وَبُكْماً } لكونهم صامتين ساكتين عما ظهر لهم من دلائل التوحيد عناداً ومكابرةً { وَصُمّاً } لكونهم أُصْمِيْنَ عن استماع كلمة الحق من ألسنة الرسل وورّاثهم ؛ أي : العلماء ، لذلك صار { مَّأْوَاهُمْ } ومنزلهم { جَهَنَّمُ } الطرد والحرمان المسعَّر بنيران الخذلان والخسران ، وصارت من كمال سعرها إلى حيث { كُلَّمَا خَبَتْ } وسكنتْ لهبُ نارها بعدما أكلتْ جلودهم ولحومهم { زِدْنَاهُمْ } جلوداً ولحوماً مثل جلودهم ولحومهم ، بل عينه ؛ يعني : كلما انمحت جلودهم ولحومهم نعيدهم على ما كانوا لتصير { سَعِيراً } [ الإسراء : 97 ] ذا شررٍ والتهابٍ مفرطٍ ، بعدما وجدتْ ما تأكل ، والسر في تكرارها وإعادتها : إنكارُهم للحشر وأعادة المعدوم بعينه . { ذَلِكَ } الذي سمعت من العذاب { جَزَآؤُهُم } أي : جزاء المنكرين الكافرين ، وإنما عذبناهم بها { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا } الدالّة على الحشر الجسماني { وَقَالُواْ } منكرين مستبعدين : { أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَ } صرنا { رُفَاتاً } أي : هباءً وغباراً { أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً } أي : مخلوقاً موجوداً { جَدِيداً } [ الإسراء : 98 ] مثل المخلوق الأول ؟ ! كلا وحاشا . { أَ } ينكرون الحشر وإعادة المعدوم بعينه ، ويصرون على الإنكار أولئك المعاندون { وَلَمْ يَرَوْاْ } ولم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } خلقاً إبداعياً اختراعياً بلا سبقِ مادةٍ وزمانٍ { قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } بعد إعدامهم وموتهم ، مع أن الإعادة أسهل وأيسر من الإنشاء والإبداء { وَ } لم يعلموا كيف { جَعَلَ } أي : صيّر وقدر { لَهُمْ أَجَلاً } معيناً { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } متى وصلوا إليه ماتوا ؛ بحيث لا يسمع لهم طالب التقديم والتأخير أصلاً ، ومع وضوح هذه الدلائل والشواهد { فَأَبَىٰ } وامتنع { ٱلظَّالِمُونَ } الخارجون عن مقتضى العقل والنقل عن قبول الحق وتصديق الحق المطابق ، للواقع ، ما يزيدهم وروده ووضوحه { إِلاَّ كُفُوراً } [ الإسراء : 99 ] أي : جحوداً وإنكاراً للحق لخبث طينتهم ورداءة فطرتهم ، متوهمين نفاد قدرة الله عند مراده وانقضاء تمكينه واقتداره لدى المقدور . { قُل } للمنكرين المتوهمين نفاد قدرة الله وانصرام حوله وقوته عن مراده : لا تقيسوا الغائب على الشاهد ، ولا تتوهموا الشح والبخل والعجز والاضطرار في حق الله بل الكل هو من أوصافكم وخواصكم ؛ إذ { لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي } مع سمعتها وعدم نفادها وتناهيها أصلاً { إِذاً لأمْسَكْتُمْ } وبخلتم { خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } أيك مخافة النفاد بالإنفاق بلا وضع شيءٍ بدل ما ينفق { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ } خُلق في أصل فطرته { قَتُوراً } [ الإسراء : 100 ] ممسكاً لازدحام لوازم الإمكان الافتقار فيه ؛ إذ هو أحوج المظاهر وأبعدهم عن الوحدة الذاتية ؛ لأنه آخر نقطة قوس الإمكان ، وهي نهاية الكثرة ، وصار أول نقطة قوس الوجوب إن انخلع عن ملابس الإمكان ، وتجرد عنها بالمرة بلا شوب شينٍ ونقصانس . { وَ } من جملة كفورية الإنسان وفتوريته : أنا { لَقَدْ آتَيْنَا } من سعة رحمتنا وكمال حولنا وقدرتنا { مُوسَىٰ } المؤيد من عندنا { تِسْعَ آيَاتٍ } أي : معجزاتٍ { بَيِّنَاتٍ } واضحاتٍ دالةٍ على صدقة في رسالته وحقيته في نوبته ، وهي : العصا واليد البيضاء والجراد والقمل والضفادع ةالدم ، وانفجار الماء من الحجر وانفلاق الحر ونتق الجبل فوقهم . وإن شئت يأ أكمل الرسل زيادة إيضاح وإلزامِ المشركين اليهود { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : بقية أخبارهم ؛ ليخبروك وقت { إِذْ جَآءَهُمْ } موسى { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ } بعدما رأى منه ما رأى من الخوارق بدل من الإيمان الإطاعة { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ } بعدما جئت بسحرٍ عظيمٍ وكيدٍ كبيرٍ ، وهو وإن كانَ من العقل والدارية : اعتقدُك { مَسْحُوراً } [ الإسراء : 101 ] مجنوناً مخبطاً مختلّ العقل بادعائك الرسالة والنبوة من خالق السماء ونزول الملَك والمصحف إليك من عنده مع انسداد الطرق وانعدام السبل . ثم لما سمع موسى من فرعون ما سمع آيس من إيمانه وقنط { قَالَ } موبخاً مقرعاً : والله { لَقَدْ عَلِمْتَ } يقيناً أن { مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ } الآيات القاهرة الباهرة إليّ { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } لكونها خارجة عن وسع غيره مطلقاً ، وعلمتَ أيضاً أنه ما أنزله إلا { بَصَآئِرَ } أي : بيناتٍ وشواهَد دالةٍ على صدقي في دعواي لتُبْصِرَك ، وتوقظكَ عن مقام غفلتك ، وتتفطن بها لأصل فطرتك وجِبِلَّتك { وَإِنِّي } بعدما بالغتُ في تبليغ ما جئتُ من الهداية والإرشاد { لأَظُنُّكَ } وأعتقدك { يٰفِرْعَونُ } المتناهي في الغفلة والغرور { مَثْبُوراً } [ الإسراء : 102 ] مصروفاً عن الخير مطروداً عن ساحة عز الحضور ، مجبولاً على الشر ودواعيه . وبعدما رأى فرعون من موسى ما رأى من المعجزات الواضحات ، خافَ أن يميل إليه قومه ويؤمنوا له { فَأَرَادَ } فرعون { أَن يَسْتَفِزَّهُم } أي : بني إسرائيل ، ويستأصلهم بأن يحركهم أولاً { مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي : أرض مصر ، ويفرقهم بحيث لا يتأتى منهم المقاومة معه أصلاً ، ثم يأمر بقتل كل فرقةٍ منهم مكراً منه وكيداً ، فمكرنا له قبل مكره إياهم { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن } كانوا متفقين { مَّعَهُ } في مكره وكيده { جَمِيعاً } [ الإسراء : 103 ] حين أمرنا موسى ومن معه بالفرار ليلاً ، فأخبر وأتبعَ أثره ، فلقي موسى البحر وهو على عقبه ، فأمرنا موسى بضرب البحر بالعصا ، فضربه فانفلق وافترق وتشعب ، فمر به موسى وأصحابه سالمين ، فلقي فرعون على البحر الفور ، فرأى البحر مفترقاً فاقتحموا مغرورين ، فأغرقناهم أجمعين بعدما أمرنا البحر بالخلط والاجتماع على ما كان . { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ } أي : انقراض فرعون وانقضائه { لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } على سبيل التوصية والتذكير في كتابنا المنزل عليهم ، وهو التوراة { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } التي أراد فرعون أن يستفزكم منها بالقهر والغلبة ، آمنين صالحين مؤمنين بما أرسل إليكم وأنزل عليكم ، عاملين بمقضتى أوامرنا ونواهينا { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } وقيام الساعة { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 104 ] ملتفين مختلطين سعداؤكم مع أشقياءكم ، فنميز بينكم ، وندخلكم منزل الشقاوة والسعادة .