Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-20)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من كمال رفق الله إياهم ، ورأفته معهم أيها الرائي { تَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت } من مشرقها في مدة الصيف حين ازدياد حرارتها { تَّزَاوَرُ } أي : تنقلب وتميل { عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي : جانب يمين الغار ؛ لئلا تؤذيهم بشعاعها وحرارتها { وَإِذَا غَرَبَت } أي : زالت ومالت عن الاستواء نحو المغرب { تَّقْرِضُهُمْ } أي : تقطعهم وتنصرف عنهم { ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } أي : جانب يسار الغار ؛ لحفظهم عن حرِّها { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } أي : والحال أنهم في متسع الغر ووسطه لا في زواياه ؛ بحيث لو لم يكن رعاية الله وحفظه إياهم ، وصرف شعاع الشمس عنهم لكانت منتشعشعة عليهم إلى وقت الغروب { ذٰلِكَ } أي : نشر الرحمة وتهيئة الرفق والرأفة وصرف أذى الشمس ، وكذا جميع المؤذيات عنهم { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على قبوله سبحانه إياهم ورضاه عنهم كونهم مهتدين إلى توحيده ، موفقين من عنده ، مبتغين لرضاه ، متوكلين عليه في جميع الأمور ، راضين بقضائه في كل الأحوال ، مخلصين له في جميع الأعمال . { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } وأراد هدايته في سابق علمه وقضائه ، ومضى عليهم حكمه { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } الموفق على الهداية والفوز بالفلاح المقصور عليها ، وإن لم يصدر ولم يسبق من الأعمال الصالحة { وَمَن يُضْلِلْ } الله وتعلق مشيئته بضلاله في سابق قضائه ، فهو الضال المقصور على الضلالة وإن صدرت عنه الأعمال الصالحة ، لا يتبدل ضلالها أصلاً ، وبعدما أراد سبحانه ضلاله { فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً } يولي أمره بالشفاعة لينقذه من الضلال الفطري ويخرجه عن الوبال الجبلي { مُّرْشِداً } [ الكهف : 17 ] يهديه ويرشده إلى طريق الرشاد ومنهج السداد . { وَ } من كمال لطف الله إياهم ورأفته لو رأيتهم أيها الرائي ي مضاجعهم ومراقدهم { تَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } متيقظين ؛ لانفتاح عيونهم ، وورودهم أنفاسهم ، وعدم نتنهم وانفاسخهم { وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ } عنايةً منَّا إياهم وقت احتياجهم إلى التقلب { ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } كي لا تؤثر الأرض بأضلاعهم وجوانبهم { وَكَلْبُهُمْ } هو كلبُ مرُّوا عليه حين إواائهم إلى الغار معتزلين ، فلحقهم فطردوه ، فأنطقه الله فقال : أنا أحب أولياء الله وأحباءه دعوني أقتفِ أثركم فدعوه فتبعهم . وقيل : كلب راعٍ مضوا عليه فأطعمهم وحكوا عليه حالهم ، فتبعهم وتبعه كلبه ، وقراءة من قرأ : ( وكالبهم ) يؤيد هذا . { بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } أي : في الباب أو الغتبة أو الفناء { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ } أيها الرائي ورأيت هيئة رقودهم في ذلك الغار المهيب { لَوَلَّيْتَ } أي : استدبرت ورجعت قَهْقَرى هرباً وهولاً { مِنْهُمْ فِرَاراً } أي : من هيبتهم { وَلَمُلِئْتَ } وأملأ صدرك { مِنْهُمْ رُعْباً } [ الكهف : 18 ] خوفاً من رقودهم منفتحة العيون عظيمة الأجسام في غارٍ مُهيبٍ في خلال جبال عوالٍ بعيدةٍ عن العمران . { وَ } كما أقدرناهم وأنمناهم على هذا الوجه العجيب والطرز الغريب { كَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } وأيقظناهم { لِيَتَسَآءَلُوا } وينقاولوا { بَيْنَهُمْ } ويستطلعوا معن مدة رقودهم ولبثهم في الغار ؛ ليطلعوا على كمال قدرة الله ، ووفور جوده ورحمته عليهم ؛ ليزدادوا تعيناً واطمئناناً واعتماداً أو وثوقاً على كرم الله وفضله ولطفه ، وبعدما قاما من هجعتهم { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ } راقدين في هذا الغار ؟ { قَالُواْ } على سبيل الظن والتخمين ؛ لأن النائم لا اطلاع له على مدة نومه : { لَبِثْنَا يَوْماً } تاماً { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } لأنهم دخلوا على الغار غدوة وانتبهوا في الظهيرة ، فظنوا أنهم في يومهم أو الذي بعده . ثم لما شاهدوا طول أظفارهم وأشعارهم { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } إذ هو قائمُ حاضرُ في كل حالٍ بلا تبدلٍ واختلالٍ ، ونحن نائمون لا شعور لنا بمدة رقودنا ولا همَّ لنا بتعيينها بل أهم أمورنا أن نُطعم { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ } إلى المدينة مصحوباً { بِوَرِقِكُمْ } أي : بعينكم ونقدكم المضروبة المسكوكة . والوَرق في اللغة : الفضة ، سواء كانت مضروبة أم لا ، والمراد هنا المضروبة . { هَـٰذِهِ } إشارة إلى ما في يد القاتل من النقد { إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } وهي : طرسوس التي فروا منها من دقيانوس { فَلْيَنْظُرْ } الذاهب المرسل ، وليتأمل { أَيُّهَآ } أي : أي طبيخة طبّاخ { أَزْكَىٰ } أي : أنظف وأظهر { طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } حتى نطعم ؛ إذ نحن جيعان { وَلْيَتَلَطَّفْ } الذاهب مع أهل السوق وليجامل معهم في المعاملة { وَ } ليخرج منها سريعاً حتى { لاَ يُشْعِرَنَّ } أي : الذاهب ولا يُطعن { بِكُمْ } أي : بحالكم ومكانكم { أَحَداً } [ الكهف : 19 ] من أهل البلد . { إِنَّهُمْ } بعد اطلاعهم وشعورهم بحالكم { إِن يَظْهَرُواْ } ويغلبوا { عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ } أو يقتلوكم بضرب الأحجار { أَوْ يُعِيدُوكُمْ } ويرجعوكم مرتدين { فِي مِلَّتِهِمْ } التي كنتم عليها قبل انكاشفكم بالتوحيد { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ } أو تفوزوا بالفلاح والصلاح { إِذاً } أي : حين عودكم وارتدادكم إليها { أَبَداً } [ الكهف : 20 ] أي : لا يرجى فلا حكم بعد ذلك أصلاً . ثم لما أرسلوا واحداً منهم إلى البلدة فدخل على السوق ، ودار حوق الطباخين واختار طبيخةً زكيةً ، وأخرج الدرهم ؛ ليشتري الطعام ، وكان عليه اسم دقيانوس ، فاتهموه بأنه وجد كنزاً ، فذهبوا به إلى الملك ، وكان الملك نصرانياً موحّداً ، فقصّ عليه القصة عن آخرها ، فقال بعض الحضّار : إن آباءنا قد أخبرونا أن فتيةً فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملك وجميع أهل المدينة مؤمنهم وكفارهم ، فأبصروهم وتكلموا معهم ، ثم قال الفتية نستودعك الله ، ونعيذك من شر الجن والإنس ، ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا ، فدفنهم الملك ، وبنى عليهم مسجداً .