Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 11-16)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } مع ظهور حالهم وخداعهم عند الله وعند المؤمنين { إِذَا قِيلَ لَهُمْ } إمحاضاً للنصح : { لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بتكذيب كتاب الله ورسوله المنزل عليه حتى لا يخرجوا من مرتبة الخلافة ؛ لأن خلافة البشر إنما هي بالتوحيد وإسقاط الإضافات ، والتوحيد إنما يحصل بالله وبكتابه ورسوله { قَالُوۤاْ } في الجواب على سبيل الحصر : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } [ البقرة : 11 ] لا نتجاوز من الصلاح أصلاً تتميماً لخداعهم الفاسد ، وترويجاً له على المؤمنين وتلبيساً . { أَلاۤ } أيها المؤمنون الموقنون بكتاب الله المصدقون لرسوله { إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ } المقصرون على الفساد ، لا يرجى صلاحهم أصلاً ؛ لكونهم مجبولين على الفساد { وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [ البقرة : 12 ] بمشاعرهم لغشاوة قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم . { وَ } إذا لطف معهم ونصح كما هو دأب الأنبياء والمرسلين و { إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ } بالله وبكتابه ورسوله { كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ } الذين نسوا مزخرفات آبائهم بالإيمان بالله وبكتابه ورسوله ، وفازوا في الدارين فوزاً عظيماً بسبب الإيمان { قَالُوۤاْ } في الجواب توبيخاً وتقريعاً : { أَنُؤْمِنُ } بهذا الرجل الحقير الساقط ، وبهذه الأساطير الكاذبة ونترك دين آبائنا { كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ } التاركون دين آبائهم لغرور هذا المدعي المفتري ؟ { أَلاۤ } أيها المبعوث لإهداء المضلين المجبولين على الهداية في أصل فطرتهم { إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ } المجبولون على الغوية في بدء الفطرة لا يمكنك هدايتهم أصلاً ؛ لعدم قابليتهم واستعدادهم للإيمان { وَ } إن ظنوا في زعمهم من العقلاء { لَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } [ البقرة : 13 ] أصلاً لتركب جهلهم المركوز في جبلتهم ، فيسلب قابليتهم للإيمان . { وَ } علامة نفاق هؤلاء المضلين وخداعهم أنهم { إِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله وكتابه ورسوله { قَالُوۤا } على طريق الإخبار عن الأمور المحققة تروجياً وتغريراً على المؤمنين { آمَنَّا } بالجملة الفعلية الماضية بلا مبالغة وتأكيد لحكمهم سفاهة المؤمنين ، بأن السفيه يقبل الأخبار بلا تأكيد ؛ لعدم تفطنه على إنكار المتكلم ، فنزلوهم - وإن كان من حقهم الإنكار حقيقة - منزلة خالي الذهن ؛ لسفاهتهم { وَإِذَا خَلَوْاْ } نفوا خالين { إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ } أي : مع أصحابهم المستمرين على الكفر ، الظاهرين بالمخالفة بلا خداع ولا نفاق كالشيطان المصر على الضلال المستمر على الإضلال { قَالُوۤاْ } على طريق المبالغة والتأكيد قلعاً لما اعتقدوا من ظاهر حالهم ومقالهم وموافقتهم مع المؤمنين سراً وجهراً ، وتحقيقاً لمؤاخذتهم معهم { إِنَّا } وإن كنا في الظاهر مداهنين معهم لمصلحة دنيوية ، متفقون { مَعَكُمْ } لفائدة دينية ، أتوا بالجملة الاسمية المصدرة بأن ؛ تحقيقاً واهتماماً ، وقولنا : آمنا ، استهزاء منا إياهم لا تصديق لمدعاهم ، وبالجملة ما نحن مؤمنون بمجرد هذا القول بل { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [ البقرة : 14 ] مستخفون تجهيلاً وتسفيهاً واعتذاراً على مجرد القول الكاذب الغير المطابق للاعتقاد والواقع . وهم في غاية انهماكهم في الغي والضلال ، وهم مقرون جازمون بأنهم يستهزئون ، بل هم في الحقيقة مستهزئون إذ : { ٱللَّهُ } المحيط بجميع مخايلهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة { يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } في كل لحظة وطرفة آناً فآناً { وَ } لم يشعرهم باستهزائه بل { يَمُدُّهُمْ } يمهلهم ويسوفهم { فِي طُغْيَانِهِمْ } المتجاوز عن الحد في الضلالة بتلبيس الأمر على الله وعلى المؤمنين { يَعْمَهُونَ } [ البقرة : 15 ] يترددون إقداماً وإحجاماً . { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء عن طريق الهداية هم { ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا واختاروا { ٱلضَّلَـٰلَةَ } المعززة في نفوسهم بتقليد آبائهم { بِٱلْهُدَىٰ } المتفرعة على الإيمان بالله وبرسوله { فَمَا رَبِحَتْ } بهذا الاستبدال والاختيار { تِّجَارَتُهُمْ } أي : ما يتجرون به { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [ البقرة : 16 ] رابحين بسبب الاستبدال ، وخاسرين ضالين به . أو يقال : فما يتم الربح { تِّجَارَتُهُمْ } اتجارهم { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } بسبب هذا الاتجار .