Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 126-129)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعد { إِذْ } أمرنا وابنه بطهارة البيت وامتثالا بالمأمور { قَالَ إِبْرَاهِيمُ } منيباً إلينا ، داعياً راجياً في دعائه النفع العام : { رَبِّ ٱجْعَلْ } بيتك { هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } ذا أمن للمتوجهين إليها والعاكفين ببابها عن العلائق المانعة عن التوحه المعنوي { وَ } بعدما توجهوا نحوه { ٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } المترتبة على سرائر تعيينه وتخصيصه ، ووجوب طوافه على المستطيعين المنهمكين في الشواغل المانعة عن التوجه إلى الكعبة الحقيقية الممثلة عنها هذا البلد . ولما دعا إبراهيم بهذا الدعاء المجمل المطلق لهم ، فصله سبحانه إجابة دعائه بقوله : { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } من المتوجهين الزائرين { بِٱللَّهِ } الواحد الأحد تعبداً وانقياداً { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المحقق الوقوع إذعاناً وتصديقاً ، فلهم ما دعوت لهم من أنواع الإفضال والإنعام ؛ جزاء لهم وإجابة لدعائك ثم { قَالَ } سبحانه : { وَمَن كَفَرَ } منهم وجحد بعدما وضح لهم الطريق { فَأُمَتِّعُهُ } متاعاً { قَلِيلاً } من مفاخرة الأقران والاستكبار على الإخوان وتفرج البلدان { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بعد جحوده وإنكاره { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } بل أشد منها ، وهو حرمانه عن الفوائد المرتبة على الطواف والزيادة المنبئة عن الوصول إلى مرتبة العبودية والمخلصة ، عن جهنم الإمكان الذي هو مصير أهل الكفر والطغيان { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ البقرة : 126 ] مصيرهم الذي لا ينجو منه أحد من أهله ، عصمنا الله منه بمنه وجوده . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ يَرْفَعُ } يحمل جدك { إِبْرَٰهِيمُ } الاواه المنيب { ٱلْقَوَاعِدَ } أي : التكاليف الشاقة الناشئة { مِنَ } إنشاء { ٱلْبَيْتِ } المعد للاهتداء إلى كعبة الوصول من التجريد عن لوازم الحياة ومقتضيات الأوصاف المترتبة عليها ، وترك المألوفات وقطع التعلقات العائقة عن الموت الإداري الموصل إلى مقر الوحدة المغنية للكثرة الموهمة ، المستتبعة للبعد والفراق عن فضاء التوحيد { وَ } أبوك أيضاً { إِسْمَٰعِيلُ } الراضي بقضاء الله ، المرضي بما جرى عليه من البلاء ، واذكر أيضاً دعاءهما بعدما احتملا المشاق والمتاعب بقولهما : { رَبَّنَا } يا من ربانا بأنواع المنح التي ليست في وسعنا وقدرتنا { تَقَبَّلْ مِنَّآ } ما أقدرنا عليه { إِنَّكَ أَنتَ } القادر لما جئتنا به { ٱلسَّمِيعُ } لمناجاتنا قبل إلقائنا { ٱلْعَلِيمُ } [ البقرة : 127 ] لحاجاتنا وإخلاصنا في نياتنا . { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا } بفضلك { مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مستسلمين مفوضين جميع أمورنا إليك ، مخلصين فيه ربنا { وَ } اجعل أيضاً { مِن ذُرِّيَّتِنَآ } المنتسبين إلينا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً } مسلمة { لَّكَ } مطيعة لأمرك { وَأَرِنَا } اكشف لنا ولهم { مَنَاسِكَنَا } سرائر مناسكنا التي نعملها على مقتضى أمرك وتكليفك { وَ } إن أخطأنا فيما أمرتنا { تُبْ عَلَيْنَآ } عماجرى علينا من لوازم بشريتنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ } للعباد العاصين الخاطئين { ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 128 ] بقبول توبتهم ، وإن نقضوها مراراً . ثم لما كان الغالب عليهما توحيد الصفات والأفعال ، دعوا ربهما متضرعين أن يبعث من ذريتهما من يغلب عليه توحيد الذات فقالا : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ } أي : في الأمة المسلمة { رَسُولاً مِّنْهُمْ } هداياً إلى توحيد الذات { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ } أولاً { آيَٰتِكَ } الدالة على ذلك ظاهراً { وَ } ثانياً : { يُعَلِّمُهُمُ } يفهمهم { ٱلْكِتَٰبَ } المبين سرائر الآيات { وَ } ثالثاً : بكشف ويوضح لهم { ٱلْحِكْمَةَ } التي هي سلوك طريق التوحيد الذاتي { وَ } ورابعاً : { يُزَكِّيهِمْ } أي : يطهرهم عن رؤية الغير في الوجود مطلقاً { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } الغالب القاهر للأغيار { ٱلحَكِيمُ } [ البقرة : 129 ] في إيجادها وإظهارها على وفق مشيئتك وإرادتك .