Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 211-213)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قل يا أكمل الرسل نيابة عنا إلزاماً له : { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي : تذكر قصتهم { كَمْ } كثيراً { آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } مبينة في كتبهم ، فأنكروا عليها ظلماً وعداوناً ، فأخذناهم بظلمهم إلى أن أستأصلناهم بالمرة { وَ } لا يختص هذا ببني إسرائيل ، بل { مَن يُبَدِّلْ } ويطير { نِعْمَةَ ٱللَّهِ } المسلتزمة للشكر والإيمان كفراً وكفراناً { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ } الموضحة المبينة ، فله من العذاب والنكال ما جرى عليهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المتجلي باسم المنتقم { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ البقرة : 211 ] صعب الانتقام وسريع الحساب . ثم ذكر سبحانه مساوئ أهل الكفر وسوء معاملتهم مع المؤمنين المخلصين ؛ ليجتنب المؤمنون عن أمثاله ، فقال على وجه الإخبار : { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : حسن في عيونهم وارتكز في قلوبهم { ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أي : الحياة المستعارة المنسوبة إلى الدنيا { وَ } أدى أمرهم في هذا التزيين والتحسين إلى أن { يَسْخَرُونَ } ويستهزئون { مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : صار المؤمنون لفقرهم وعرائهم عن أمتعة الدنيا الدنية محل استهزائهم وسخريتهم ، متى قصدوا الاستهزاء على مناقد الدنيا أخذوا منهم { وَ } الحال أن المؤمنين { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } عن الدنيا ومزخرفاتها الفانية الغير الباقية يكون { فَوْقَهُمْ } رتبة ومنزلة عند الله { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعد لجزاء الأعمال الصالحة في النشأة الأولى { وَٱللَّهُ } الرزاق للكل { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } من عباده بالرزق الدنيوي { بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ البقرة : 212 ] فيها ، بل مستجبرين متكبرين مفتخرين بمزخرفاتها إلى النشأة الأخرى ، فيحاسبهم فيها ويجازيهم عليها ، ويرزق أيضاً من يشاء من عباده بالرزق الأخروي بغير حساب ، لا في النشأة الأولى ولا في الأخرى ، بل صاروا في حمائه أزلاً وأبداً لا يشوشهم الحساب ولا تتفاوت عندهم اللذة والعذاب ، بل صاروا ما صاروا بلا سترة وحجاب . آتنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب . { كَانَ ٱلنَّاسُ } في الفطرة الأصلية والمرتبة الحقيقية الجبلية { أُمَّةً وَٰحِدَةً } وملة واحدة مستوجهة إلى مبدئهم الحقيقي ومقصدهم الأصلي طوعاً ، ثم اختلفت آراؤهم وتشتت أهواؤهم بشياطين القوى الوحدانية التي هي من جنود إبليس ، فظهر بينهم العداوة والبغضاء والمجادلة والمراء { فَبَعَثَ ٱللَّهُ } المدبر لأمورهم { ٱلنَّبِيِّينَ } من بني نوعهم ، المؤيدين من عند ربهم { مُبَشِّرِينَ } لهم طريق الإطلاق والتوحيد { وَمُنذِرِينَ } لهم عن الكثرة والتقييد { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ } تصديقاً لهم { ٱلْكِتَٰبَ } الجامع لما يبشر به وينذر عنه ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع { لِيَحْكُمَ } كل نبي به { بَيْنَ ٱلنَّاسِ } المنسوبين إليه { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من أمور معاشهم ومعادهم . { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } أي : في الكتاب المنزل إليهم بالتكذيب والإنكار أحد من الناس { إِلاَّ } القوم { ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي : الكتاب ، وكان اختلافهم { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ } الواضحات المصدقات ، بأنه منزل لهم من عند الله العليم الحكيم { بَغْياً } خروجاً عن طريق الحق وحسداً لأهله واقعاً { بَيْنَهُمْ } من وساوس شياطينهم ، من الجاه و الرئاسة والعتو والاستكبار { فَهَدَى ٱللَّهُ } بلطفه { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالنبي المبعوث ، والكتاب المنزل معه { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من الأمور الدينية مع المعاندين المنكرين ، والحال أنه { مِنَ ٱلْحَقِّ } الصريح المطابق للواقع ، واختلافاتهم أيضاً معهم إنما يكون { بِإِذْنِهِ } أي : بأمره المنزل في كتابه { وَٱللَّهُ } المرشد لكل العباد إلى ما هم عليه { يَهْدِي } بفضله { مَن يَشَآءُ } من خلص عباده { إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ البقرة : 213 ] الموصل إلى بابه بلا عوج وضلال .