Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 214-216)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أرجوتم وطمعتم أيها المحمديون المتوجون إلى زلال التوحيد ، وصفو التجريد والتفريد ، أن تصلوا إليه بأنيتكم هذه بلا سولكٍ ومجاهدةٍ ، وسكرٍ وصحوٍ ، وتلوينٍ وتمكينٍ ، وقيدٍ وإطلاقٍ ، ونفيٍ وإثباتٍ ، وفناءٍ وبقاءٍ ، وهيهات هيهات . { أَمْ حَسِبْتُمْ } تمنيتم متوقعاً { أَن تَدْخُلُواْ } فجأة بهويتكم هذه بلا إفنائها أو فنائها في هوية الله { ٱلْجَنَّةَ } التي ارتفعت عندها الهويات ، واضمحلت دونها الماهيات { وَلَمَّا يَأْتِكُم } أي : لما يأتكم { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } مضوا { مِن قَبْلِكُم } أي : شأنهم وقصتهم المشهورة المعروفة المنسوبة إلى الأحرار الأبرار الواصلين إلى دار القرار كيف { مَّسَّتْهُمُ } بأبدانهم وأجسادهم وهوياتهم الجسمانية { ٱلْبَأْسَآءُ } المذلة الدميمة المزمنة المزعجة المفنية لإتيانهم ، وكيف مستهم أيضاً بأرواحهم المتكثرة بأشباحهم المتربتة على الأوصاف الذاتية الإلهية { وَٱلضَّرَّآءُ } المسقطة للإضافات كلها { وَ } بعد ما وصلوا إلى هذه المرتبة المعبرة بالقيامة والطامات الكبرى عند العارف { زُلْزِلُواْ } اضطربوا وتلونوا وتذبذبوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وكان حالهم بين الحيرة والحسرة يترددون ويتحيرون ، إلى أن غلب عليهم المحبة والشوق ، وانبعث من المحبة الخالصة والإرادة الصادقة العشق المفرط المنبعث من جذب المعشوق الماثل بالطبع نحوه واحتاجوا إلى نصر الله وتوفيقه ، وجذبه بلطف ، فاضطروا في بين وبين ، وأين إلى أين { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ } المرشد إلى طريق التوحيد مناجياً مع الله وأفعاله ؛ إذ هم { وَ } أيضاً { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } مشايعين له في قوله ودعائه مشاركين معه في نهر الاشتياق والاستبطاء وقلة الصبر والجزع والفزع والاضطرار والمراقبة والانتظار { مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } حتى يتخلص من التلون والتمكن والكون والتكون والظهور والإظهار والغيب والشهادة ، وغير ذلك من الإضافات . قيل لهم : وما لنا تعيين القائل ؟ إذ لا قائل إلا هو ، منبهاً مستقرباً مستعجباً مستغرباً { أَلاۤ } تنبهوا أيها الأطلال الممدودة المتعددة المنتشئة من الأوصاف المحمودة الذاتية الأحدية المضافة بعضها إلى بعض ارفعوا إضافتكم عن البين وغشاوتكم عن العين ، حتى اتصل العين بالعين ، وارتفع البين عن البين وقولوا : وما أدري ها هنا أيضاً ما القائل وما المقول ، وما القول وما المقول إليه ، وما هذا وماذا ؟ . أدركنا بلطفك عن حجاب الألفاظ وغشاوة العبارة . { إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] حاضر غير مغيبٍ لو تنبهتم إلى ذي ظلكم ، والتنبه له محال إلا من كشف سبحانه عليه كيفية الظل والإظلال والاستعداد والتعدد الحاصل فيه ، والكوائن الغير المتناهية ، والمكونات الغير المحصورة الحاصلة فيه بأشخاصها وأنواعها وأجناسها إلى ما شاء الله ، لا حول ولا وقة إلا بالله . ( وَ ) بالجملة : لا تحوم الفهوم حول سرادقات عز جلله حتى يشقق عن كائناته ومصنوعاته ، ليس كمثله شيء ليقاس عليه ولا غيره حتى يسمع منه ويبصر به ، وهو السميع البصير العليم ، وليس وراء الله مرمى { يَسْأَلُونَكَ } أيها الهادي للكل عن الإنفاق وعما ينفق به ، ويقولون : { مَاذَا يُنْفِقُونَ } أي : أي شيء ينفق المنفق في سبيل الله ؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة : { مَآ أَنْفَقْتُمْ } سواء كانت تمرة أو كسرة أو حبة أو ذرة صادرة { مِّنْ خَيْرٍ } خالص من ثوب المشوب المنة والأذى { فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } إليكم نسباً أولى إن كانوا مستحقين { وَ } بعد ذلك أولاهم { ٱلْيَتَامَىٰ } الذين لا متعهد لهم { وَ } بعد ذلك { ٱلْمَسَاكِينِ } الذين أسكنهم المذلة والهوان { وَ } بعد ذلك { ٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } الذين تعذر وصولهم إلى مملوكاتهم { وَ } اعلموا أيها المؤمنون أن { مَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } خالصاً لرضائه سبحانه { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة : 215 ] لصدروه عنه وعن جريان حكمه وسنته . ثم لما ظهر أمر الإسلام وعلا قدره وارتفع مناره ، فرض الله سبحانه على المؤمنين الموقنين بطريق التوحيد المشاجرة والمقاتلة مع المخالفين ، الناكبين عن طريق الحق بالشرك والإشراك ؛ ليظهر شمس التوحيد على النفاق ، ويضمحل شوب الكثرة والثنوية المنبعثة عن الكفر والنفاق ، ويتميز الحق عن الباطل والوجود عن العدم العاطل ، فقال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ } أيها المؤمنون { ٱلْقِتَالُ } مع مخالفيكم من أهل الكثرة { وَهُوَ كُرْهٌ } مكروه مستهجن { لَّكُمْ } ما دمتم في أنانيتكم وهويتكم هذا ، وما دمتم فيها مع تكثر الإضافات ولوازم الإمكان والإضافات { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } في النشأة الأولى { وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } في النشأة الأخرى { وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً } منها { وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } فيها { وَٱللَّهُ } الهادي لكم إلى سواء السبيل { يَعْلَمُ } خيركم ويأمركم به وشرك فيحذركم عنه { وَأَنْتُمْ } بهويتكم هذه { لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 216 ] شيئاً من الخير والشر ، بل لكم الإطاعة والإنقياد بما أمر ونهى والعلم عند الله العزيز العليم .