Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 29-32)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ ٱلَّذِي } جعلكم خلائف في الأرض وصوركم على صورته ، وصيركم مظاهر جميع أوصافه وأسمائه و { خَلَقَ لَكُمْ } أي : قدر ودبر لكم { مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } ما في العالم السفلي من آثار الأسماء والصفات تتميماً لجسمانيتكم ؛ لتتصرفوا فيها وتتنعموا بها متى شئتم { ثُمَّ } لما تم تقدير ما في العالم السفلي ترقى عنها و { ٱسْتَوَىٰ } توجه { إِلَى ٱلسَّمَآءِ } إلى تقدير جميع ما في العالم العلوي { فَسَوَّٰهُنَّ } فهيأهن { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } مطبقات مشتملات على ملائكةٍ ذوي علومٍ ومعاملاتٍ ، وعلى كواكب ذوي آثارٍ كثيرةٍ كلها من مقتضيات أسمائه وصفاته { وَ } لا يخفى عليه شيء مما في العالمين ؛ إذ { هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } البقرة : 29 ] لا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء . ثم لما قدر لنوع الإنسان جميع ما في العالم العلوي والسفلي أشار إلى اصطفاء شخصٍ من هذا النوع وانتخابه من بين الأشخاص ؛ ليكون مظهراً جامعاً لائقاً لأمر الخلافة والنيات ، فقال مخاطباً لنبيه ، مذكراً له ، مستحضراً إياه بقوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } أي : استحضر أنت يا أكمل الرسل فذكر ممن تبعك وقت قول ربك { لِلْمَلَٰئِكَةِ } الذين هم مظاهر لطفه ومجالي جماله ، لا يظهر عليهم أثر من آثار الجلال والقهر { إِنِّي } أريد أن أطالع ذاتي وألاحظ أسمائي وأوصافي على التفصيل ، فأنا { جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ } أي : العالم السفلي { خَلِيفَةً } مرآة مجلوة عن صداء الإمكان ورين التعلق ؛ لأتجلى منها بجميع أوصافي وأسمائي حتى تعتدل خليفتي بأسمائي أخلاق من عليها وتصلح أحوالهم ، وإذا شاور معهم قالوا في الجواب على مقتضى علمهم { قَالُواْ } في الجواب على مقتضى علمهم من العالم السفلي الذي هو عالم الكون والفساد ومنزل الجدال والعناد : ما نرى في العالم السفلي إلا اللدد والعناد والمخاصمة المستمرة بين العباد والخروج من حدودك من سفك الدماء ونهب الأموال وسبي الذراري { أَ } ن سلم ونجوز لك أن { تَجْعَلُ } بعزتك وكبريائك مع أنا ننزهك عن جميع الرذائل خليفة لك نائباً عنك { فِيهَا } في الأرض { مَن يُفْسِدُ فِيهَا } بأنواع الفسادات { وَ } خصوصاً { يَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } المحرمة ، وليس في وسعنا هذا التسليم ، ولا نرى هذا الأمر لائقاً بجلالك وعصمتك ، وإن شئت بفضلك وجودك أن تصلح بينهم { وَ } تدبر أمرهم { نَحْنُ } أولى بإصلاحهم وتدبيرهم وحفظ حدودك الموضوعة فيهم ؛ إذ { نُسَبِّحُ } نشتغل دائماً { بِحَمْدِكَ } وثنائك على آلائك ونعمائك { وَنُقَدِّسُ } به { لَكَ } أي : ننزه ذاتك عن جميع ما يشعر بالعلل والأعراض فنحن أولى بأمر الخلافة والنيابة منه { قَالَ } تعالى بلسان الجمع في جوابهم ؛ إرشاداً لهم وامتناناً لآدم : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ } من آدم الذي هو مظهر ذاتي وجميع أسمائي { مَا } أي : شيء من الجامعية { لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 30 ] أنتم لعدم جميعتكم . ثم لما ادعى سبحانه استحقاقه للنيابة ولياقته للخلافة ، وأجاب عن شبههم التي أوردوها إجمالاً وأشار إلى تفصيل ما أجمل عليهم إرشاداً لهم على مرتبة الجمع ، وتنبيهاً على جلالة قدر المظهر الجامع فقال : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ } سبحانه ؛ أي : ذكره { ٱلأَسْمَآءَ } التي أودعها في ذاته وأوجد بها ما في العالم من الآثار البديعة { كُلَّهَا } بحيث لا يبقى من الأوصاف المتقابلة والأسماء المتخالفة المتضادة شيء إلا ما استأثر به في غيبه { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } الأسماء المودعة باعتبار مسمياتها وآثارها الظاهرة في الآفاق { عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ } الذين يدعون الأولوية في أمر الخلافة { فَقَالَ } تعالى لهم مخاطباً على سبيل الإسكات والتبكيت : { أَنْبِئُونِي } عن روية وبصيرة { بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ } المسميات ، وبأسباب هؤلاء الآثار والمسببات { إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } [ البقرة : 31 ] في دعوى الأولوية والأحقية للنيابة ، محقين في الاعتراض على آدم لا عن علم بحاله . { قَالُواْ } مستوحشين من هذه الكلمات ، معتذرين متذليين خائفين من عتابه تعالى ، متذكرين عن سوء الأدب مع الله ، مستحيين عن سؤالهم من فعله الذي لا يسأل عنه قائلين : { سُبْحَٰنَكَ } ننزهك من أن يعترض عليك ويسأل عن فعلك ، ذلك الحكم في ملكوتك والتصرف في مقتضيات أسمائك ، وإنما بسطنا معك الكلام لا لانبساطك بنا ؛ إذ { لاَ عِلْمَ لَنَآ } منها { إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } بقدر استعداداتنا وقابلياتنا { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ } بجميع الاستعدادات والقابليات { ٱلْحَكِيمُ } [ البقرة : 32 ] بإقامته ما ينبغي لمن ينبغي بلا عللٍ واعتراضٍ .