Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-125)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم بعد ذلك اقرأ عليهم ، وبههم بما فيه من قدر عقولهم { وَ } لا تنسى نيهنا عن الاستعجال بأداء القرآن قبل تمام الوحي مثل نيسان أبيك آدم عليه السلام عهده معنا ، فإنا { لَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ } أبيك { ءَادَمَ مِن قَبْلُ } بقولنا نهياً له ولامرأته : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [ البقرة : 35 ] { فَنَسِيَ } عهدنا هذا لتغرير الشيطان له { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] رأياً صائباً في حفظ العهد حتى يوطن نفسه على مقتضى النهي . { وَ } اذكر لنقض عهده وقصور رأيه وقت { إِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } أي : تذللوا له تكريماً وتعظيماً ؛ لأنه أفضل منكم وأجمع لتجليات أوصافنا { فَسَجَدُوۤاْ } ووقعوا متذللين له على الأرض تكريماً له ، وامتثالاً لأمر ربهم { إِلاَّ إِبْلِيسَ } من بينهم { أَبَىٰ } [ طه : 116 ] وامتنع عن سجوده لاستكباره وعتوه . وإذ استكبر إبليس عن تعظيمه نبهنا عليه عداوته { فَقُلْنَا } له : { يآءَادَمُ } المكرم بسجود الملائكة { إِنَّ هَـٰذَا } المشار إليه بالإشارة القريبة الممتنع عن سجودك وتعظيمك { عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } يريد إفسادكما فاحذروا عن مصاحبته وتغريره ، ولا تتكلما معه { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } إلى دار الابتلاء { فَتَشْقَىٰ } [ طه : 117 ] أنت يا آدم على الخصوص ، أي : تتعب وتعيى بسبب كسب المعيشة ؛ لأن معيشتك حينئذٍ من كد يمينك . ولا تعب لك في الجنة ، بل { إِنَّ لَكَ } أي : حق وثبت لك أيضاً { أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } [ طه : 118 ] أي : في الجنة لسعة طعام الجنة وثيابها . { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا } لأن العطش إنما هو من فرط الحرارة ولا حرارة فيها { وَ } كيف يكون فيها حرارة ؛ إذ أهلها له { لاَ تَضْحَىٰ } [ طه : 119 ] ولا يبرز منه الظل إلى الشمس من جهة البرودة ؛ لأن أهلها لا يؤذون بالحرارة والبرودة . فلما عاش فيها زماناً مستريحاً بلا تعب ولا عناء أظهر إبليس عداوته ، وأخذ يوسوس له ولزوجته ليخرجهما منها ؛ لأ ، هما ما داما في الجنة ، لم يقدر على إضلالهما { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } أي : ألقى وسوسته في نفسه و { قَالَ يٰآدَمُ } على وجه النصيحة : هنيئاً لك عيشك في الجنة بلا تعب ومحنة { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } إن أكلت منها يخلدك أبداً فيها { وَ } أهديك على { مُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] أي : لا يخلق ولا يعتق ، بل يتجدد دائماً بتجدد الأمثال ، بلا انتقالٍ وزوالٍ . وإذ وسوس إليهما سمعا قوله وقيلا وسوسته فنسيا عهد ربهما { فَأَكَلاَ مِنْهَا } حتى شيعا وأراد أن يتبرزا ويتغوطا ، ثم لما اتكبا المنهي ، وظهر منهما ما هو منافٍ لطهارة الجنة ونظافتها ، أمر سبحانه بإخراجهما منها ، فنزع أولاً عنهما لباسهما ؛ أي : لباس الطهارة والنجاة الفطرية والتقوى الجبلية { فَبَدَتْ } ظهرت بعد نزع اللباس { لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } عوراتهما ، فاضطروا على التستر والتغطي { وَطَفِقَا } أي : شرعا { يَخْصِفَانِ } ويلزقان { عَلَيْهِمَا } أي : على عورتهما { مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } أي : من أوراق بعض أشجارها ، قيل : هي ورق التين . { وَ } إذا كان حالهما كذلك قالت الملائكة : { عَصَىٰ ءَادَمُ } المكرَم المسجود له { رَبَّهُ } الذي رباه بتناول ما يصلحه منها عن تناول ما يضره ، بأن أعرض عن النهي ، وبادر إلى ارتكاب المنهي بغرور الشيطان المغوي المضل { فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] بإغوائه ، وضل عن مراده الأصلي بتغرير العدو ؛ لأن العدو إنما يلقى عدوه عكس مطلوبه . { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ } بعدما ألهمه الإنابة والرجوع إليه ، فاعترف بذنبه ، ورجع إلى ربه تائباً بقوله : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] { فَتَابَ عَلَيْهِ } أي : قَبِل سبحانه توبته { وَهَدَىٰ } [ طه : 122 ] أي : هداه إلى مقصده الأصلي ، وقبلته الحقيقية ، إلا أنه سبحانه لا يُبْطل حِكمةَ حُكمة السابق المترتب على النهي ، وهو قوله تعالى : { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } [ البقرة : 35 ] الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية . لذلك { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا } أي : انزلا من الجنة التي هي دار الأمن والسرور إلى الدنيا التي هي دار التفرقة والغرور { جَمِيعاً } أصلاً وفرعاً ، صديقاً وعدواً ، وبعد هبوطكم إليها { بَعْضُكُمْ } يا بني آدم { لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في أمور معاشكم ، والشيطان عدو لكم في أمور معادكم ، فتبقى هذه العداوة بينكم ما دمتم فيها ، ومع أمرنا لكم بالهبوط والخروج منها إليها ، لا نترككم هناك ضالّين محرومين مطرودين { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } بواسطة الرسل والكتب المنزلة عليهم فاتبعوا هداي { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } عزيمة وقصداً صحيحاً { فَلاَ يَضِلُّ } في النشأة ا لأولى لاتصافه بصفاتنا { وَلاَ يَشْقَىٰ } [ طه : 123 ] في النشأة الأخرى لفنائه فينا وبقائه ببقائنا . { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } أي : كتابي الجاري على ألسنة رسلي الهادين عن الضلال { فَإِنَّ لَهُ } أي : ثَبَتَ له وحقَّ ما دام دار الدنيا { مَعِيشَةً ضَنكاً } ضيقاً يضيق قلبه ؛ بحيث لا يسع فيه غير التفكر في أمر المعاش { وَ } إذا انتقل منها { نَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } الكبرى { أَعْمَىٰ } [ طه : 124 ] أي : يصور إعراضَه عن الحق في الدنيا على صورة العمى في الآخرة . حيث { قَالَ } تحسراً وتحزناً : { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } في الآخرة { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } [ طه : 125 ] في الدنيا .