Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 92-100)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه مخاطباً لجماهير الأنبياء والرسل وأممهم : { إِنَّ هَـٰذِهِ } الملة التي هي ملة الإسلام ، وطريق التوحيد والفرقان { أُمَّتُكُمْ } أي : قدوتكم وقبلتكم وقصارى أمركم ، والحكمة في جبلتكم وخلقكم ما كانت إلا { أُمَّةً وَاحِدَةً } لا تعدد فيها أصلاً { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } الواحد الأحد الصمد الفرد { فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 92 ] أيها الضلال المنعكسة من أسمائي وأوصافي ، وتوجهوا نحوي بغاية التذلل والخضوع ، ونهاية الانكسار والخشوع . { وَ } بعدما كانوا أمة واحد لا اختلاف فيهم أصلاً { تَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } أي : أمر دينهم قطعاً ، وتحزبوا أحزاباً فوقع النزاع { بَيْنَهُمْ } فاختلفوا اختلافاً كثيراً على سبيل المراء والمجادلة ، ولا تبال بهم وباختلافهم وتحزبهم ؛ إذ { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } [ الأنبياء : 93 ] رجوع الأمواج إلى البحر . وبعدما اختلفوا وتعددوا : { فَمَن يَعْمَلْ } منهم { مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } المرضية لنا المقبولة عندنا { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } موقن بتوحيدنا ، مصدق لرسلنا وكتبنا { فَلاَ كُفْرَانَ } ولا تضييع منَّا { لِسَعْيِهِ } الذي سعى في طريقنا طلباً لمرضاتنا ، بل { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } [ الأنبياء : 94 ] حافظون حارسون ما صدر عنه من الخيرات الموجبة للمثوبات ، ورفع الدرجات ، فنعطيه ما استحق له من الثواب بلا فوت شيء منها . { وَ } حفظنا وحراستنا { حَرَامٌ } ممنوع منَّا محرمٌ { عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ } أي : أهلها قهراً وغضباً منَّا إياهم بسبب { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] ولا يتوجهون إلينا ، ولا يؤمنون بتوحيدنا ولا يصدقون بكتبنا ورسلنا ، بل يكذبون وينكرون ، وهكذا تتمادى حرمتنا ومنعنا أياهم إلى أن ظهرت أشراط الساعة ولاحت أمراتها . { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ } وفتقت { يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } سدهما الذي شدَّ بينهما وبين سائر الناس { وَهُمْ } بعد فتح السد ، ورفع المانع من غاية عدوانهم مع الناس ، وحرصهم على تخريب البلاد { مِّن كُلِّ حَدَبٍ } أي : تلال وجبال { يَنسِلُونَ } [ الأنبياء : 96 ] يسرعون إلى الناس كالذباب الجوّع . { وَ } بعدما { ٱقْتَرَبَ } ودنا { ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } الموعود المحقق الذي هو فتح السد وخروجهما من أشراطه وعلامته ، وقامت القيامة { فَإِذَا هِيَ } أي : الشأن والقصة حين أنها { شَاخِصَةٌ } حائرة مدهوشة مضطربة { أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } في النشأة الأولى بالله ، وكذبوا بهذا اليوم ، فيقولون حينئذ متحسرين خائبين : { يٰوَيْلَنَا } وهلاكنا تعال فالآن وقت حلولك { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ } عظيمة { مِّنْ } مجيء { هَـٰذَا } اليوم في نشأتنا الأولى { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 97 ] خارجين عن مقتضى الحكم الإلهي ، منكرين لهذا اليوم بعدما أخبره بوقوعه الرسلُ ونطلق به الكتب . ثم خاطب سبحانه الكافرين الذين أشركوا بالله مع أنه سبحانه لم ينزل عليه سلطاناً خطابا عاماً شاملاً للعابدين ومعبوداتهم فقال : { إِنَّكُمْ } أيها المشركون الجاهلون بقدر الله وعلو شأنه { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأضلال والتماثيل التي اتخذتموها آلهة ، وادعيتم استحقاقها للعبادة والإطاعة أنتم وهم كلكم { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي : حطبها ووقودها { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] ورودَ الأنعام للماء . { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً } كما زعمتم واعتقدتم { مَّا وَرَدُوهَا } لأنهم ينقذونكم منها ألبتة ، ولا هم آلهةُ لكنهم يردون النار ، جميعاً عابداً ومعبوداً ، فظهر أنهم ما كانوا آلهةً ، بل عبادُ أمثالكم { وَكُلٌّ } منكم ومنهم { فِيهَا خَالِدُونَ } [ الأنبياء : 99 ] مخلدون معذبون دائماً . { لَهُمْ فِيهَا } أي : لأهل النار في النار { زَفِيرٌ } تنفيس شديد ، وأنين طويلِ { وَهُمْ فِيهَا } من شدة الأهوال والأفزاع { لاَ يَسْمَعُونَ } [ الأنبياء : 100 ] . ثم لما نزلت هذه الآية اعترض ابن الزبعري بأن عزيراً وعيسى والملائكة من المعبودين ، فهم أيضاً في النار ، مع أنهم من الأنبياء والمَلَك ، وهم محفوظون منها على زعمكم .