Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 12-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ } وأدركوا { بَأْسَنَآ } بعد تعلق أرادتنا بانتقامهم ، ورأوا مقدمات عذابنا وبطشنا { إِذَا هُمْ } مع شدة شكيمتهم ووفور قوتهم وقدرتهم { مِّنْهَا } أي : من قرارهم { يَرْكُضُونَ } [ الأنبياء : 12 ] ويهربون سريعاً ركضَ الخيل من الأَسْد . ثم قيل لهم على سبيل التهكم والاستهزاء : { لاَ تَرْكُضُواْ } أيها المترفهون المتنعمون ، إلى أين تمشون عن منتزهاتكم { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ } أي : إلى أوطانكم وقراكم التي { أُتْرِفْتُمْ } ومُتَّعْتُم { فِيهِ وَ } اسكنوا في { مَسَاكِنِكُمْ } التي كنتم فيها طول دهركم ، لم تتركونها وتخرجون عنها ؟ { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 13 ] عن سبب الخروج والجلاء منها . ثم لما ضاق عليهم أنواع العذاب ولحقت بهم وأدركتهم ، ولم ينفعهم الفرار والتحرز { قَالُواْ } متأسفين متحسرين : { يٰوَيْلَنَآ } وهلاكنا تعالى { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ] متجاوزين مخرجين عن مقتضى العدل الإلهي ؛ لذلك لَحِقَنَا ما لَحِقَنَا . { فَمَا زَالَت تِلْكَ } تلك الكلمة المذكورة ؛ يعني : يا ويلنا إنا كنا ظالمين { دَعْوَاهُمْ } أي : دعاؤهم ، ونداؤهم جارية على ألسنتهم على وجه الخضوع والخشوع والتذلل التام والانكسار المفرط ؛ لأنهم قصدوا بها النجاة والخلاص ، إذ هم اعترفوا بذنوبهم في ضمنها ، وندموا عن فعلهم بتكرارها ، ومع ذلك لم ينفعهم ؛ لمضيّ وقت التوبة والندامة { حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } [ الأنبياء : 15 ] أي : صارت أجسامهم مثل : المحصود الخامد من النبات ، كأنه ماشمَّ رائحةً من الحياة في وقتٍ من الأوقات . { وَ } كيف لا نأخذهم بظلمهم ولا نجعلهم محصوداً خامداً جامداً ؛ إذ { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ } المزينة بزينة الكواكب ، كل منها مقدَّر لأمور لا يعرف تعديده وإحصاءه غيرنا { وَٱلأَرْضَ } المزينة بزينة المعادن والنبات ، والحيوان ، والأشجار ، والأنهار ، وأنواع الفواكه ، والأثمار ، كل منها مشتمل على حِكَمٍ ومصالحَ لا يسعه إلا حضرة علمنا { وَمَا } يحصل { بَيْنَهُمَا } من امتزاج آثارهما وأفعالهما من العجائب والغرائب التي تَدهش منها العقول ، وتكلّ في وصفها الألسنة ، وتنحسر الصدور { لَـٰعِبِينَ } [ الأنبياء : 16 ] أي : ما جعلناهما عبئاً باطلاً بلا سرائرَ ودَّعنا فيها ، وبدائعَ أضمرنا في خلقها وظهورها ، إذ الحكيم لا يفعل فعلاً إلا وقد أودع فيه من المصالح الحكم ما لا يُعدُّ ولا يُحصى . فكيف يليق بجنابنا ، وينبغي لشأننا أن يتصف أفعالنا المتقنة وآثارنا المحكمة باللهو واللعب ، وتدبيراتنا بالعبث الخالي عن الحكمة والمصلحة ؟ مع أنا { لَوْ أَرَدْنَآ } أي : قدَّرنا وفرضنا ما استحال علينا { أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً } ولعباً باطلاً خالياً عن الفائدةً ، مخلاً لكمال عزتنا وحكمتنا وعلو شأننا وعظمتنا { لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ } أي : من قِبَلنا ، ومن جملة أفعالنا وآثارنا الصادرة وقدرتنا الكاملة وإرادتنا الخالصة ، كلا وحاشا { إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 17 ] أي : ما كنا مرتكبين العبث الخالي عن الفائدة سيما مع استكمال كمال قدرتنا ووفور علمنا على أنواع الحكم والمصالح . { بَلْ نَقْذِفُ } أي : بل اللائق المستحسن منَّا ، المناسب بعلو شأننا أن نضمحل ونُبطل { بِٱلْحَقِّ } الذي هو شمس وجودنا ، ولمعان آثار فضلنا وجودنا { عَلَى ٱلْبَاطِلِ } الذي هو الظلُّ الزائغُ الآفلُ ، والعدمُ والعاطلُ الزائلُ { فَيَدْمَغُهُ } أي : يَمحقه ويُسقط عنه اسم الوجود المستعار ويُلحقه إلى ما هو عليه من العدم بلا عبرةٍ واعتبارٍ ؛ ليظهر عند المعتبرين أن { مَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } [ العنكبوت : 64 ] { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } [ غافر : 39 ] { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [ الحشر : 2 ] ، فكيف لا يمحقه ، ولا يلحقه بالعدم { فَإِذَا هُوَ } في نفسه وفي حد ذاته { زَاهِقٌ } هالكُ زائلُ ما شمَّ رائحة الوجود { وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ } والهلكة أيها الواصفون والجاهلون بقدْر الله { مِمَّا تَصِفُونَ } [ الأنبياء : 18 ] ذاته من الأمور التي لا تليق بجنابنا من ارتكاب العبث ، وإسناد اللهو واللعب بذاته تعالى ، وإشراك هذه الأظلال الهالكة معه في الوجود ، تعالىعن ذلك علواً كبيراً .