Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 19-24)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } كيف تشركون أيها المشركون معه أضلاله وعبيده ؛ إذ { لَهُ } تعالى إيجاداً وإبداعاً وإظهاراً وتصرفاً { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأرواح المجردة عن الأبدان { وَ } من في { ٱلأَرْضِ } أي : الأرواحُ المتعلقة بها { وَ } كذا { مَنْ عِنْدَهُ } من الأرواح التي لا تزولَ لهم ولا عروجَ ، كلهم متذللون { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } وإطاعته { وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [ الأنبياء : 19 ] ولا يعْيَون ع إقامتها وإتيانها . { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } أي : ينزهون الله في جميع أوقاتهم عما لا يليق بجنابه { لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] ولا يظهرون الضعف والعناء ، بل أقاموها وواظبوا عليها طائعين متذللين خاشعين خاضعين . وكيف لا يعبدون الله ولا يسبحونه وهم موحدون مخلصون ؟ لا المشركون المعاندون الذين اتخذوا آلهةَ من السماء كعبدة الكواكب { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ } بل اتخذوا { آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } هو أفحش من ذلك كعبدة الأوثان والأصنام اتخذوها آلهة وعبدوها كعبادة الله ، وادَّعوا ضمناً أن الهتهم التي نحتوها بأيديهم أو صاغوها من حُلِيِّهم { هُمْ يُنشِرُونَ } [ الأنبياء : 21 ] أي : يُخرجون الموتى من قبورهم ، لأنهم آلهةُ وعبدوها كعبادة الله ، والإلُه لا بدَّ وأن يقدر على جميع المقدورات والمرادات ومن جملتها النشر ، بل من أجلَّها ، فلا بدَّ لهم أن ينشروا فكيف يثبتون أولئك المشركون تعددَ الآلهة مع أنه { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ } أي : في السماء والأرض { آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي : غير الله الواحد القهار للأغيار مطلقاً { لَفَسَدَتَا } واختل نظامها ، ولم يبقا على الهيئة المخصوصة المشاهدة ألبتة ، إذ المفهوم من الإلهة هو المستقل في التصرف والآثار بالإرادة والاختيار ، فكلُ من الآلهة المتعددة متصفُ بجميع أوصاف الألوهية بالاستقلال ، فلا يمكن اتفاقهم على أمرٍ من الأمور { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد المستقلِّ في الألوهية والربوبية بلا شريكٍ له في ملكه ، بل في الوجود والتحقق { رَبِّ ٱلْعَرْشِ } أي : عروش جميع المظاهر المستولي عليها ، إذ لا ظهور لها إلا منه { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنبياء : 22 ] من اتخاذ الولد والشريك والصاحبة والنظير ، لتوحيده في الوجود واستقلاله في التصرف . { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } إذ لا معقِّبَ لحكمه ولا رادَّ لقضائه { وَهُمْ } أي : الشركاء الباطلة { يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] عما صدر عنهم ، فكيف تليق لهم الألوهية والشركة معه سبحانه وتعالى شأنه عما يصف الواصفون ، وجلَّ جلال قدسه عما نَسَبَ إليه الجاحدون والمكابرون . ومع علو شأنه ووضوح برهانه وظهور وحدة ذاته واستقلاله في ألوهيته وربوبيته ، ترددوا فيه ، وفي توحيده { أَمِ ٱتَّخَذُواْ } أي : بل قد أخذوا { مِن دُونِهِ آلِهَةً } شركاء له سبحانه لا واحداً ، بل متعدداً وعبدوها كعبادته سبحانه ظلماً وزوراً وجهلاً وعناداً { قُلْ } يا أكمل الرسل إلزاماً لهم وتبكيتاً : { هَاتُواْ } أيها المشركون المثبتون لله الواحد الأحد الصمد شريكاً { بُرْهَانَكُمْ } على وجود آلهةٍ سواه عقلاً أو نقلاً إن كنتم من ذوي الألباب وأهل العقد والرشاد ، ولا سبيلَ لكم إلى الدليل العقلي ، إذ برهان التمانع قطعَ عرق الشركة بالمرة ، ولا إلى النقل ، إذ جميع الكتب الإلهية متطابقةُ في توحيد الحق ، ونفي الشرك عنه سبحانه إذ { هَـٰذَا } الكتاب الجامع لجميع ما في الكتب السالفة المنزلة عليَّ { ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } أي : عظة وتذكير يذكر من معي من المؤمنين من أصحابي { وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } من أمم الأنبياء الماضيين لو صدقوه وقبلوا ما فيه ، لكنهم لا يصدقونه ليهديهم إلى الحق { بَلْ أَكْثَرُهُمْ } جاهلون { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ } ولا يعرفون الحق الصريح الظاهر في الآفاق بلا سترةٍ وحجابٍ { فَهُمْ } لغلظ حجبهم وكثافة غشاوتهم { مُّعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 24 ] عن الحق منكرون له ، { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] .