Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 29-35)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } متى كان حال الشفعاء وخشيتهم على هذا المنوال { مَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ } مستحقُ للعبادة ، مستقلُ في الألوهية { مِّن دُونِهِ } سبحانه { فَذٰلِكَ } أي : بمجرد قولهم هذا ، وإن كان غير مطابق لاعتقادهم { نَجْزِيهِ } ونصليه { جَهَنَّمَ } البعد والحرمان ونيران الخيبة والخسران { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 29 ] الخارجين عن مقتضى توحيدنا ، المسيئين الأدب معنا . { أَ } ينكرون وحدتنا ، ويثبتون لنا شريكاً من مصنوعاتنا ، وينسبون بنا ولداً ظلماً وزوراً { وَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بنا بأمثال هذه الخرافات الباطنة ، ولم يعلموا كمال قدرتنا { أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسماء والصفات { وَٱلأَرْضَ } أي : عالم الطبيعة والعكوس والأظلال قد { كَانَتَا رَتْقاً } أي : كان كلُ منهما مرتَّقاً متضمناً بلا تعددٍ وتكثرٍ . أما الأسماء والصفات فمندمجةُ مندرجةُ في الذات بلا هبوطٍ وتنزلٍ وظهور أثرٍ . وأمَّا الطبيعة العدمية قد كانت ساكنةً في زاوية العدم بلا امتداد ظل الوجود عليها ، { فَفَتَقْنَاهُمَا } بالتجليات الحبية المنتشئة من الأسماء الذاتية والصفات الكمالية الفعلية ، المقتضية للظهور والانجلاء لحكم ، ومصالح قد استأثرنا بها ، وبالقبول والتأثر من أشعة التجليات { وَ } إن أردتم أن تنكشف لكم كيفية انتشاء الأشياء الكثيرة من الذات الواحدة المتصفة بالصفات والأسماء المتماثلة والمتقابلة ، فانظروا كيف { جَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } الواحد بالذات ، والمشتمل على الأوصاف الكثيرة بحسب الآثار الصادرة منه { كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أي : خلقنا ، وصيَّرنا كل شيء له إحساسُ وتغذيةُ وتنميةُ وازديادُ وانتقاص من الماء ؛ إذ هو أقوى أسباب التبدلات والتشكلات ، وأقبل إلى قبول التصرفات والامتزاجات { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنبياء : 30 ] ويصدقون بهذا ، مع أنه من أجلى البديهات ، وأظهر المحسوسات . ثم أخذ سبحانه في تعداد نعمه على خلَّص عباده امتناناً عليهم وتنبيهاً لهم كي يتفطنوا منها بوحدة ذاته ، وكمال قدرته وبسطته فقال : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } التي هي الكرة الحقيقية ، المائلة بالطبع إلى التدور والانقلاب { رَوَاسِيَ } شامخاتٍ مخافة { أَن تَمِيدَ } تتحرك وتضطرب وتضر { بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا } أي : في تلك الرواسي { فِجَاجاً } شقوقاً وأدويةً لتكون { سُبُلاً } ومسالكَ متسعةً وطرقاً واسعةً عنايةً منَّا إياهم { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [ الأنبياء : 31 ] من تلك الطرق إلى ما يرومون من الأمكان البعيدة والبلدان النائية ، فيتجرون ويتبعون منها مطالبهم ومصالحهم . { وَ } أيضاً قد { جَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ } المرفوع فوقهم { سَقْفاً مَّحْفُوظاً } لهم فيها أوقات مزارعهم ومتاجرهم ، وسائر مصالحهم في البر والبحر ، إذ هي من أقوى أسباب معاشهم { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا } الدالة على وحدة مبدعها وكمال قدرة مخترعها وموجودها { مُعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 32 ] منصرفون منكرون ، لا يتفكرون فيها كي تصلوا إلى زلال توحيدنا ، وإلى كمال قدرتنا وأرادتنا . { وَ } كيف لا يتفكرون في خلق السماوات ، ولا يتدبرون في الآيات الدالة على وحدة صانعها وبالجملة كيف ينكرون أولئك المنكرون المسرفون وجود موجدها مع أنه سبحانه { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ } وقدر لهم { ٱلْلَّيْلَ } سبباً ووقتاً لاستراحتهم ورقودهم { وَٱلنَّهَارَ } لمعاشهم واكتسابهم { وَ } جعل { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } سببين لإنضاج ما يتقوتون ويتفكهون و { كُلٌّ } من الشمس والقمر وسائر السيارات { فِي فَلَكٍ } من الأفلاك السبعة { يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] يسيرون ويدورون بسرعة تامة دائماً بلا قرار وسكونٍ ؛ لتدبير مصالحهم ، وإصلاح معايشهم ، وهم لا يعلمون ، ولا يشكرون . ثم قال سبحانه : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } يعني : إن النصارى ادعوا خلود عيسى وبقاءه بلا طريان موت عليه دائماً كما كان الآن ، وكذا خلود جميع من لحق بالملائكة من البشر ، ردَّ الله عليهم على أبلغ وجه وآكده حيث قال : ما جعلنا وقدرنا لبشر من بني نوعك يا أكمل الرسل الخلد والبقاء السرمدي ، لا من الذين مضوا قبلَك ، ولا من الذين يأتون بعدك ، إذ هم بشر محدث مركب ، وكل مركب محدث لا بدَّ أن ينهدم امتزاجه وتنحل أجزاؤه ومزاجه ، ولو كان فرد من أفراد المحدث البشر قديماً لكنت أنت يا أكمل الرسل ألبتة { أَ } تزعم وتردد يا أكمل الرسل { فَإِنْ مِّتَّ } وعدمت عن الدنيا { فَهُمُ } الذين ادعى الجاهلون خلودهم { ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] المقصرون على الخلود بلا لحوق عدمٍ عليهم ، كلا وحاشا لا يكون الأمر كذلك . بل { كُلُّ نَفْسٍ } ذات أجواء وتركيب خيرة كانت أو شريرة ، طويلة مدة عمرها ، أو قصيرة ، باقية في أهل الأرض ، أو ملحقةً بالملأ الأعلى { ذَآئِقَةُ } كأس { ٱلْمَوْتِ } المدركعة مرارتها ، والمحتملة أهوال السكرات وأفزاعها ، لا ينجو من الموت أحد ، وإن علت رتبته وارتفعت مكانته ، بل كلكم هلكى في حين ظهوركم ووجودكم المعاد المستعاد { وَ } إنما { نَبْلُوكُم } ونختبركم في وجودكم هذا ، ونشأتكم هذه { بِٱلشَّرِّ } الغير المرتضى عندنا { وَٱلْخَيْرِ } المرضي ، ليكون ابتلاؤنا إياكم { فِتْنَةً } لكم واختباراً منَّا إياكم لحكمة ومصلحة لنا فيها { وَ } بعدما اختبرناكم وابتليناكم في النشأة الأولى { إِلَيْنَا } لا إلى غيرنا ؛ إذ لا غير في الوجود { تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] في النشأة الأخرى ورجوع الظل إلى ذي الظل ، والعكوس إلى الصور ، فنجازيكم بها ، ونعامل بكم على مقتضى اختبارنا وابتلائنا إياكم في النشأة الأولى .