Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-41)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه امتناناً لحبيبه صلى الله عليه وسلم : { وَ } اذكر { إِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } حين اشتغالك بقراءة القرآن أو بتذكير الأصحاب وعظة أولي الألباب ، المشمرين نحو الحق أذيال همَّهم ، المستفيدين المسترشدين منك قصارى مقاصدهم هي التوحيد الإلهي { إِن يَتَّخِذُونَكَ } أي : ما يتخذونك حين التفاتهم نحوك { إِلاَّ هُزُواً } أي : محل اسهتزاء وسخرية قائلين حين بعضهم لبعض مستحقرين شأنك : { أَهَـٰذَا } الرجل الحقير الفقير الملحق بالأراذل والضعفاء { ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } بالسوء ، وينكر على شفعائكم ويسيء الأدب مع غاية حقارتهم وضعفهم ، وهم من غاية عمههم وسكرتهم ، ونهاية غيهم وغفلتهم { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } المنزَّه عن شوب الشك وريب التردد { هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء : 36 ] منكرون وجوده وتحققه مع كما ظهوره واستحقاقه بالألوهية والربوبية بالأصالة بخلاف معبوداتهم الباطلة الزائغة ؛ إذ هم مقهورون تحت قدرته ، مجبورون جنب إرادته واختياره ، لا قدرة لهم من أنفسهم أصلاً ، فهم بالاستهزاء أحق ، وبالاستهانة والسخرية أحرى وأليق . ثم لما استعجل المنهمكون في بحر الضلال والإنكار ، التائهون في تيه العتو والاستكبار نزولَ العذاب وقيام الساعة وجميع الوعيدات الواردة فيها على سبيل الاستهزاء والتهكم ، ردَّ الله عليهم إنكارهم واستعجالهم بأبلغ وجه فقال : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ } أي : هذا النوع من الحيوان { مِنْ عَجَلٍ } يعني : من غاية استعجاله ف يالخير والشر كأنه مصنوع منه ، قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنَّا : إلى متى تستعجلون أيها المسرفون المغرورون { سَأُوْرِيكُمْ } عن قريب في هذه النشأة { آيَاتِي } أي : بعضها من نقماتي التي هي من مقدمات عذاب الآخرة ، قيل هي وقعة بدر ، إذ المستعجلون هم قريش ، وسيأتي عذاب الساعة ، وعذابها بعدما { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] أيها الضالون المسرفون . { وَ } بعدما سمعوا من الرسول وأصحابه ما سمعا { يَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الموعود ، والوقت المعهود ، عينوا لنا وقت نزول العذاب وقيام الساعة { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الأنبياء : 38 ] في دعواكم . ثم قال سبحانه تفظيعاً لهم وتهويلاً عليهم : { لَوْ يَعْلَمُ } ويطلع { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } كيفية ما استعجلوا من العذاب وكميته { حِينَ لاَ يَكُفُّونَ } أي : حين نزل عليهم حتماً ، ولا يمكنهم حينئذٍ أن يدفعوا { عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ } لأنهم محاطون بها ، مغمورون فيها بحيث لا يسع لهم دفعها بأنفسهم { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الأنبياء : 39 ] من الغير . إذ كل نفس رهينةُ بما كسبت ؛ يعني : لو علموا فظاتها وهولها ، لما استعجلوا ، لكنه لا يعلمون لذلك استعجلوا اغتراراً واستكباراً . { بَلْ تَأْتِيهِم } العذاب والساعة حتى تأتيهم { بَغْتَةً } فجأة ودفع { فَتَبْهَتُهُمْ } أي : تحيرهم وتدهشهم وقت ظهورها ، فصاروا حينئذ حيارى سكارى مدهوشين { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ردها إذ لا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه ، سيما بعد نزوله { رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [ الأنبياء : 40 ] ويمهلون حينئذ أن استمهلوا . { وَ } لا تبال بهم يا أكمل الرسل ، ولا تحزن عن استهزائهم وسخريتهم ؛ إذ { لَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ } كثيرٍ مضوا { مِّن قَبْلِكَ } استهزءوا معهم أممهم مثل ما استهزءوا معك قريش { فَحَاقَ } وأحاط بالآخرة { بِٱلَّذِينَ } أي : بالمستهزئين الذين { سَخِرُواْ مِنْهُمْ } أي : من الرسل وبآل { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأنبياء : 41 ] ويستسخرون ، وبأضعاف ما لحق لهم المعاندين المكابرين فلا تحزن عليه ولا تك في ضيق مما يستهزئون .