Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 51-57)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ } وأعطينا { إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ } أي : كمال عقله ورشاده إلى حيث أيقظناه عن سِنة الغفلة ، فأخذ لطلب المعارف ، والحقائق وسلوك طريق التوحيد ، والتوجه نحو الحق { مِن قَبْلُ } أي : من قبل موسى وهارون { وَكُنَّا بِهِ } أي : بكمال استعداده وقابليته لحمل أعباء الرسالة والنبوة ، وانكشافه بسرائر التوحيد { عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 51 ] بحضرة علمنا في لوح قضائنا . اذكر يا أكمل الرسل : { إِذْ قَالَ } جدك إبراهيم { لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } حين جذبه الحق نحو جنابه وهداه إلى بابه ، مستفهماً على سبيل الإنكار والتقريع : { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ } الباطلة والهياكل الزائغة الزائلة { ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ } مع كونكم من زمرة العقلاء المجبولين لمصلحة التوحيد والعرفان { لَهَا عَاكِفُونَ } [ الأنبياء : 52 ] عابدون متذللون ، مع أنها جمادات لا شعور لها ولا حركة ، فكيف المعرفة واليقين وعبادة الفاضل للمفضول المرذول في غاية السقوط عند ذوي النهي وأولي الألباب ؟ . ولما تفرسوا منه الرشد التام وجدوا قوله معقولاً محكماً { قَالُواْ } في جوابه : ما نعرف استحقاق هؤلاء التماثيل للعبادة والألوهية ، ولا تنكشف بسرائرها ، غير أنا { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا } وأسلافنا { لَهَا عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 53 ] فنعبدهم كما عبدوها ، مع أنهم كانوا من ذوي الفطنة والرشاد ، فنعتقد أنهم انكشفوا بأسرارها ، وما لنا شغلُ باستكشافها سوى أن نعبد بما يعبد أولئك الأسلاف . { قَالَ } إبراهيم بعدما انكشف بالحق وظهر عنده ضلالهم وضلال آبائهم : { لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ } أيها الحمقى المنهمكون في بحر الغفلة والغرور { وَآبَآؤُكُمْ } أي : تابعكم ومتبوعكم وأصلكم وفرعكم { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الأنبياء : 54 ] وغفلة عظيمة من الهداية وسلوك طريق الحق . ثم لما سمعوا منه ما سمعوا من التضليل والتجهيل { قَالُوۤاْ } له : { أَجِئْتَنَا } أيها المدَّعى { بِٱلْحَقِّ } أي : بالجد الصريح الواضح المنكشف المبين { أَمْ أَنتَ } في تضليلك وتجهيلك إيانا { مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } [ الأنبياء : 55 ] بنا المستهزئين معنا . { قَالَ } إبراهيم : لا لعب ولا سخرية في أمور الدين سيما في معرفة الألوهية والربوبية ، وبالجملة ما هذه التماثيل العاطلة أربابكم الذين أوجدوكم وأظهروكم من كتم العدم { بَل رَّبُّكُمْ } وموجدكم { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : موجد العلويات والسفليات ، ومربيها واحدُ أحدُ فردُ وترُ ، لا تعدد له ، ولا اثنينية فيه ، متصرِّف بالاستقلال في ملكه ؛ إذ هو { ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ } وأبدعهن اختياره ، وانفراده بلا سبق مادة ومدة { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ } أي : على الأمور التي بينت لكم وأوضحها عندكم { مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ الأنبياء : 56 ] أي : من أرباب الشهود المتحققين بمرتبة الكشف واليقين الحقي ، لا من أصحاب التقليد والتخمين . { وَ } بعدما جرى بينه وبينهم ما جرى ، سفهوه واستهزؤوا معه ، ونسبوه إلى الخبط والجنون ، وانصرفوا عنه متعجبين إلى مجامعهم ومعابدهم التي اجتمعوا فيها لعبادة الأصنام ، قال إبراهيم مقسماً مؤكداً بالغاً : { تَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ } أي : لأحتالن وأمكرن ؛ لأن أكسر { أَصْنَامَكُمْ } ومعبوداتكم أيها الجاهلون لتفضحوا أنتم وهؤلاء الأباطيل الزائغة { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ } وتنصرفوا { مُدْبِرِينَ } [ الأنبياء : 57 ] من مجمعكم ومعبدكم .