Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 58-68)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما ذهبوا إلى معبدهم دخل إبراهيم كنيستهم ومعبدهم التي فيها أصنامهم وأوثانهم { فَجَعَلَهُمْ } كلها { جُذَاذاً } قطعاً منكسرة وأجزاء متلاشية { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } يعني : لم يكسر الصنم الكبير من الأصنام فقط ؛ ليكون سبباً لإلزامهم ، وإفحامهم لدى الحاجة { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ } أي : إلى الصنم الكبير { يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 58 ] أي : يراجعون له ويستفسرون منه عن كسر الأصنام ؛ لأنهم اعقدوه أعظم الآلهة ، والإله لا بدَّ أن يجيب لهم جميع حوائجهم وحاجاتهم . ثم لما رجعوا من معبدهم ودخلو إلى معابدهم وكنائسهم للعبادة والتقرب نحو الآلهة ، وجدوها مجذوذة منكسرة متفرقة الأجزاء { قَالُواْ } من فرط حزنهم وأسفهم مستبعدين مستحسرين : { مَن فَعَلَ هَـٰذَا } الفعل الفظيع والأمر الفجيع { بِآلِهَتِنَآ } ومعبوداتنا { إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 59 ] الخارجين عن شعائر ديننا الجاحدين لآلهتهم . { قَالُواْ } أي : السامعون منهم للسائلين : { سَمِعْنَا فَتًى } نكَّروه تحقيراً له ، وإعانة عليه { يَذْكُرُهُمْ } أي : الآلهة بالسوء دائماً ، ويعيب عليهم ، وينكرهم { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] . ثم لما انتشر الخبر واجتمعوا في المعبد مزدحمين متشاورين في انتقامه ، واستقرارهم رأيهم عدماً تمادى مشورتهم إلى أن { قَالُواْ } متفقين : { فَأْتُواْ بِهِ } أي : بإبراهيم { عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ } ورؤوس الملأ والأشهاد { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } [ الأنبياء : 61 ] يحضرون ويجتمعون ؛ يعني : جميع المعبودين لقتله وهلاكه ، حتى ينال كل منهم نصيب حظه من نصر الآلهة . ثم لما حضر نمرود واجتمع أشراف ممكلته ، وازدحم العوام والخواص ، وأحضروه لينتقموا عنه { قَالُوۤاْ } أولاً له على سبيل التعيير والتقريع : { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا } الفعل الشنيع ، والأمر القطيع الفجيع { بِآلِهَتِنَا } ومعبوداتنا { يٰإِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 62 ] المرذول المجهول . { قَالَ } في جوابهم على مقتضى اعتقادهم وزعمهم : أنا عبد مألوه مربوب ، وهم آلهة معبودون ، كيف أقدر أن أفعل بهم هذا { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } أي : هذا الصنم الغير المنكسر ؛ لئلا يشاركوا معه في المعبودية والألوهية ، وإن شككتم أنه فعل هذا هو أم أنا { فَاسْأَلُوهُمْ } أي : الآلهة { إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] يعين : إن اعتقدتم نطقهم وتكلمهم ؛ لأنهم آلهة ، ومن لوازم الألوهية : التكلم ، والتنطق ، بل أنتم تعتقدون أن هؤلاء خلقوا جميع أهل التكلم واللسان ، فهم أولى وأحق بجواب سؤالكم هذا . ولما سمعا منه ما سمعوا { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ } متأملين ؛ أي : رجع كل منهم إلى وجدانه ونفسه متفكراً متدبراً { فَقَالُوۤاْ } أي : كل منم في سره ونجواه : { إِنَّكُمْ } أيها الجاهلون الغافلون عن قدر الألوهية والربوبية { أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ الأنبياء : 64 ] المقصورون على الخروج عن مقتضى العقل الفطري والرشد الجبلي ، ما هذه إلا تماثيلٌ مصنوعةٌ لكم منحوتة بأيديكم ، من أين توجدكم وتخلقكم ، بل أنتم موجدوها ومختروعها . { ثُمَّ } لما تفرسوا بخطئهم وتفطنوا بحقية إبراهيم وصدقة في مقاله ، أزعجتهم الغيرة البشرية والحمية الجاهلية إلى المراء والمجادلة معه لذلك { نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ } يعني : بعدما علموا أعلى الأمر وأسفله ، وفرقوا بين الحق والباطل ، أرادوا أن يقلبوا الأمر وعكسوه عناداً ومكابرة وقالوا مكابرة : { لَقَدْ عَلِمْتَ } أيها المجادل المفتون { مَا هَـٰؤُلاۤءِ } الآلهة { يَنطِقُونَ } [ الأنبياء : 65 ] إذ هم جمادات لاحس لهم ولا شعور ، كيف يتيسر لهم التكلم والتنطق . وبعدما اعترفوا بحمادية آلهتهم وعدم قابليتهم للنطق ، والتنطق ، والتكلم { قَالَ } إبراهيم موبخاً عليهم ومقرعاً : { أَ } ما تستحيون وتخجلون أيها الضالون المكابرون { فَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الواحد الأحد المتوحد بالألوهية والربوبية ، المستقل بجميع التصرفات الواقعة في عالم الغيب والشهادة { مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } [ الأنبياء : 66 ] أي : أصناماً وأوثاناً ، لا يرجى منهم النفع والضر . ثم لما قال على سبيل الضجر والإكراه عن أمرهم ، والتأسف على ضيق عقلهم المفاض لهم من ربهم لمصلحة المعرفة والإيمان : { أُفٍّ لَّكُمْ } أي : قبحاً لكم أيها المطرودون المردودون عن زمرة العقلاء { وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } المستقل للنفع الضرر ، وجلب أنواع الخيرات ، ودفع أصناف المضرات { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 67 ] أيها المتخذون لله شركاء ، ولا تستعملون عقولكم الموهبة لكم لكسب المعارف والحقائق ؛ للتتفطنوا إلى سرائر التوحيد الخالي عن شوب التخمين وشين التقليد { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . ثم لما سمعوا منه التعيير والتشنيع ثارت نار حميتهم واشتد غيظ غيرتهم { قَالُواْ } بعدما شاوروا كثيراً في وجه إهلاكه وانتقامه : { حَرِّقُوهُ } إذ لا عذاب أقرع وأهول منه { وَٱنصُرُوۤاْ } بحرقة { آلِهَتَكُمْ } لأن التعذيب بالنار مخصوص بالإلهة ، كما قال " لاَ يُعَذِّبُ بِالنَّارِ غَيْرُ خَالِقِهِا " ولما كان تعذيبهم إياه لأجل آلهتهم ، لذلك اختاروا تعذيبه بالنار { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 68 ] ناصرين آلهتكم بأخذ انتقامهم عنه .