Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 69-75)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما حفروا البئر ، وبنوا الحفرة ، وجمعوا الحطب ، وأوقدوا النار ، علقوا المنجنيق ووضعوه فيه ورموه إليها { قُلْنَا } حينئذ حافظين لخليلنا له ، مخاطبين للنار : { يٰنَارُ } المجبولة المطبوعة بالحرق والحرارة { كُونِي بَرْداً } واتركي الحرق والحرارة { وَ } لا تضري لخليلنا بالبرودة أيضاً ، بل صِيري { سَلَٰماً } أي : ذات سلام وسلامه { عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] ولا تضري له . { وَ } بعدما علموا وأبصروا أن النار لا تضره ، بل صارت له روحاً وريحاناً ، أُفحموا وألزموا وكيف لا يفحمون { أَرَادُواْ بِهِ كَيْداً } ومكراً لينتقموا عنه ، ويبطلوا دعواه التوحيد فعاد عليهم الإلزام والإبطال ، فغلبوا هنالك { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } [ الأنبياء : 70 ] فيما قصدوا له وانقلبوا عن مجمعهم خاسرين خسراناً مبيناً وخيبة عظيمة . { وَ } بعدما فعلوا مع خليلنا ما فعلوا { نَجَّيْنَاهُ } من مقام جودنا ولطفنا { وَ } صاحبناه مع ابن أخيه { لُوطاً } وبعثناهما عنايةً منَّا إياهما { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } وصريناهما كثير الخير والبركة وذات الأم واليُمن والأمان والإيمان { لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 71 ] أي : لجميع من ينزل ويؤول إليها من أهل الدين والدنيا ، وهي الشام التي هي منازل الأنبياء والأولياءن ومقر السعداء والصلحاء ، ومهبط الوحي الإلهي ، لذلك ما بعث نبي إلا فيها وفي حواليها . قيل : نزل إبراهيم عليه السلام بعدما جلا من وطنه بـ " فلسطين " من الشام ، ولوط بـ " السدوم " وبينهما مسيرة يوم وليلة . { وَ } بعدما مكناه في الأرض المقدسة { وَهَبْنَا لَهُ } من رحمتنا تفريجاً لقلبه من كربة الغربة ، وتشريحاً لصدره ، وتقريراً لعينيه : وَلَدَيَه { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } يزول حزنه بهما ، وهبنا له إسحاق إجابة لدعائه بقوله : { هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] وإنما أعطيناه يعقوب { نَافِلَةً } منَّا إياه ، وزيادة فضل وعطية تكريماً له وامتناناً عليه { وَكُلاًّ } من ولديه { جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [ الأنبياء : 72 ] للنبوة والرسالة وقبول سرائر التوحيد وأسرار الألوهية والربوبية في قلوبهم . { وَ } لصلاحيتهم واستعدادهم لقبول الخيرات { جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً } وقدوة هادين مهديين { يَهْدُونَ } الناس { بِأَمْرِنَا } ووحينا إلى زلال توحيدنا { وَ } بعدما جعلناهم قدوة هادين { أَوْحَيْنَآ } وألهمنا تتميماً لأهدائهم وإرشادهم { إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ } والإتيان بالأعمال الصالحات ، وعموم الطاعات والمبرات ، لتكون لهم وسيلة مقربة لهم إلى توحيدنا { وَ } أوحينا خاصة { إِقَامَ ٱلصَّلاَة } المتضمنة لتوجههم نحو الحق بجميع القوى والحركات والأركان والجوارح { وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } المصفية لقلوبهم عما سوى الحق { وَ } هم بمقتضى أمرنا ووحينا إياهم { كَانُواْ لَنَا } خاصة بلا رؤيتهم الوسائل ، والأسباب العادية في البين { عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 73 ] متذللين متواضعين مخلصين بظواهرهم وبواطنهم وجميع أعمالهم وحركاتهم . { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ } من مقام فضلنا وجودنا { حُكْماً } وقطعاً للخصومات ، وفصلاً للخطوب والمهمات { وَعِلْماً } بسرائر الأمور ورموزها وإشاراتها الدالة على وحدة الصانع الحكيم ، وسرّ سريان هويتها الذاتية على صفائح ما ظهر وما بطن { وَ } من كمال لطفنا معه { نَجَّيْنَاهُ مِنَ } فتنة { ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت } أهلها { تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ } أي : الفعلة الشنيعة والديدنة الخسيسة الخبيثة المذموممة المسقطة للمروءة عقلاً وبالجملة { إِنَّهُمْ } من غاية قسوتهم وغفلتهم { كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [ الأنبياء : 74 ] مغمورين بين أنواع الفسق ، منغمسين في أصناف المعاصي والآثام . { وَ } بعدما انتقمنا عنهم وأهلكناهم بأشد العذاب { أَدْخَلْنَاهُ } ومن معه ممن سبقت لهم منَّا الحسنى { فِي رَحْمَتِنَآ } وكنف حفظنا وجوارنا { إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ لأنبياء : 75 ] لعبادتنا المقبولين في حضرتنا .