Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 76-81)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } نجينا أيضاً من كما لطفنا وجودنا { نُوحاً } وقت { إِذْ نَادَىٰ } ودعا متوجهاً إلينا متضرعاً { مِن قَبْلُ } حين كذَّبه قومه واستهزؤوا معه ، وضربوه ضرباً مؤلماً بقوله : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } عداءه وأنجحنا مطلوبه { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } [ الأنبياء : 76 ] الذي هو الطوفان . { وَ } حين اضطروه وأشرفلوا على الهلاك ناجانا فَزِعاً فجيعا بقوله : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [ القمر : 10 ] { وَ } لذلك { نَصَرْنَاهُ } وجعلناه منتصراً ناجياً { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } الدالة على عظمة ذاتنا وكمال أسمائنا وصفاتنا ، وذلك أنه دعاهم إلى الإيمان والتوحيد ، وهداهم إلى صريح مستقيمن وهم امتنعوا عن القبول { إِنَّهُمْ } من شدة شكيمتهم وغلظ غيظهم مع أهل الحق { كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ } كأنهم مغمورون فيه متخذون منه { فَأَغْرَقْنَاهُمْ } لذلك { أَجْمَعِينَ } [ الأنبياء : 77 ] تطهيراً للأرض من فسادهم ، وقلعاً لعرق غيّهم وعنادهم . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل في كتابك قصة { دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } وقت { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } أي : زرع القوم { إِذْ نَفَشَتْ } ودخلت { فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } الآخر ليلاً ، فأكلته وأهكلته ، فتنازعا ورفعا الأمر إليهما ، واستحكما منهما فحكم داود بالغنم على صاحب الزرع ، بناء على أن صاحب الغنم لا بدَّ له أن يضبط غنمه ليلاً ؛ لئلا يخسر { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ } أي : لحكم داود إياهم ؛ أي : لأصحاب الزرع بالغنم { شَاهِدِينَ } [ الأنبياء : 78 ] مطلعين اطلاع شهود وحضور . وبعدما حكم داود ما حكم ، وكان ابنه سليمان حاضراً عنده سامعاً لحكمه { فَفَهَّمْنَاهَا } أي : ألهمنا الحكومة الحقّة والفتوى في هذه القضية { سُلَيْمَانَ } وهو ابن إحدى عشرة سنة ، فقال : الأرفق أن يدفع الغنم إلى أصحاب الحرث ؛ لينتفعوا من ألبانها وأصوافها ، والحرث إلى صاحب الغنم ليقوم بسقيها وحفظها ورعايتها ، حتى يعود إلى الذي كان ، ثم يترادان ويتدافعان ، فقال داود لسليمان : القضاء ما قضيت ، فرجع عن حكمه ، وحَكَم بحكم ابنه { وَ } إن كان { كُلاًّ } منهما { آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } أي : رشداً صورياً ومعنوياً بمقتضى قابليتها واستعدادها { وَ } كيف لا { سَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ } تفضلاً منَّا عليه وتكريماً { ٱلْجِبَالَ } إلى حيث { يُسَبِّحْنَ } ويقدسن الله عما لا يليق بجنابه معه حين اشتغل بتسبيح الله وتقديسه ازدياداً لثوابه ورفعاً لدرجته { وَ } كذا { ٱلطَّيْرَ } أي : الطيور معه حين اشتغاله بتكبير الله وتنزيهه { وَكُنَّا } وبأمثاله { فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 79 ] لأنبيائنا وأوليائنا ، ومن يتوجه نحونا من عبادنا ، فلا تتعجبوا من أمثال هذا ، ولا تستبعدوا عن قدرتنا أمثال إبداعها . { وَ } أيضاً { عَلَّمْنَاهُ } من مقام جودنا إياه { صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } أي : الدروع ، وما يلبس للدفع حين الحراب والقتل ، فكانت الدروع صفائح تخلقها داود ، وسردها بإلهام الله إياه وتعليمه ، إنما علمناه تخليقها وسردها { لِتُحْصِنَكُمْ } وتحفظكم { مِّن بَأْسِكُمْ } أي : من جراحات السهام والسنان ، إذ هو أدفع لآثارهما من الصفائح ، وأخف منها { فَهَلْ أَنتُمْ } أيها المنعمون المتنعمون { شَاكِرُونَ } [ الأنبياء : 80 ] لوفور نعمنا إياكم . { وَ } كذا سخرنا { لِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ } حال كونها { عَاصِفَةً } سريعة السير والحركة ، آبية عن التسخير ، سخرنا له حيث { تَجْرِي بِأَمْرِهِ } وحكمه سريعة { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا } أي : كثرنا الخير { فِيهَا } لساكنيها ، وكذا لجميع من يأوي إليها ، وهي أرض الشام فكان يسير مع جنوده متمكنين على بساط كان فرسخاً في فرسخ ، منسوج من الإبريسم عملته الجن له حيث شاء ، ثم يعود من يومه إلى منزله { وَ } لا تستبعدوا منَّا أمثال هذا ؛ إذ { كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ } تعلق إرادتنا بإيجاده { عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 81 ] ٍ بأسباب وجوده وظهوره ، فنوجده على الوجه الذي نريده ونُجريه على مقتضى حكمتنا وقدرتنا .