Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 82-88)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كذا سخرنا لسليمان { مِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } البحار ، ويخرجون منها نفائس الجواهر تتميماً وتوفيراً بخزانته { وَيَعْمَلُونَ } أيضاً { عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } الغوص من بناء الأبنية الرفعية ، والقصور المنيعة ، واختراع الصنائع البديعة الغريبة والهياكل البديعة والتشكيلات العجيبة { وَكُنَّا لَهُمْ } من قبل سليمان { حَافِظِينَ } [ الأنبياء : 82 ] مشغلين مشرفين إياهم ، لا يمكنهم أن يفسدوا في أعمالهم وأشغالهم ويزيغوها على مقتضى أهويتهم وطباعهم . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل أخاك { أَيُّوبَ } الذي ابتلاه الله بأنواع المحن والبلاء ، فصبر عليها فازداد ألمه ، واشتد الأمر عليه واضطر إلى التضرع والتفزع ، وبثِّ الشكوى إلى الله ، اذكر { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } مشتكياً إليه ، مناجياً له ، متضرعاً إياه قائلاً { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } يا رب ، وتنحّوا عني أقاربي وذوو أرحامي وجميع رحمائي { وَأَنتَ } تبقى عليّ رحيماً مشفقاً ؛ لأنك { أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأنبياء : 83 ] فأدركني بلطفك ؛ إذ لا طاقة لي ولا صبر بعد اليوم ، وقد بلغ الجهد غياته . { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { فَكَشَفْنَا } عنه { مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } مؤلم مزعج { وَ } بعدما شفيناه وأزلنا عنه مرضه { آتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } وأحيينا الذين هلكوا بسقوط البيت عليهم ، وأمواله التي تلفت بالحوادث والنوائب { وَ } زدناها امتناناً له وتفضلاً عليه { مِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } إياه وزيادة إنعامٍ وإحسان منَّا عليه { وَ } ليكون ما فضلنا به وأعطيناه { ذِكْرَىٰ } تذكرة وحثاً { لِلْعَابِدِينَ } [ الأنبياء : 84 ] الذين صبروا على مشاق التكاليف ، ومتاعب الطاعات والعبادات ؛ ليفوزوا بأفضل المثوبات ، وأعظم الكرامات . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل جدك { إِسْمَاعِيلَ } ذا الصبر والرضا بما جرى عليه من القضايا { وَإِدْرِيسَ } صاحب دراسة الحكمة المتقنة وأنواع المعارف والحقائق { وَذَا ٱلْكِفْلِ } المتكفل بعبادة الله في جميع أوقاته وحالاته ، حيث لا يشغله شيء عن التوجه نحو الحق ، قيل : هو إلياس ، وقيل : زكريا ، وقيل يوشع بن نون ، وقيل : نبيُ آخر مسمى به ؛ لأنه يتكفل صيام أيام حياته { كُلٌّ } من هؤلاء السعداء المقبولين عند الله المقبولين { مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الأنبياء : 85 ] لقضاء الله ، ونزول بلائه ، كما أنهم كانوا شاكرين لآلائه ونعمائه . { وَ } لذلك { أَدْخَلْنَاهُمْ فِي } سعة { رَحْمَتِنَا } امتناناً عليهم { إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الأنبياء : 86 ] المصلحين أعمالهم وأقوالهم وعقائدهم وأحوالهم ، الواصلين إلى درجة القرب واليقين . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل أخاك { ذَا ٱلنُّونِ } صاحب الحوت ، وهو يونس بن متى ، واذكر قصته وقت { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } على قومه من أعمالهم حين وعظهم ، فلم يتعظوا ، فشق عليه الأمر ، فغضب عليهم ، فلم يكظم غيظه ، فخرج من بينهم تفريجاً لغضبه ، وتوسيعاً لصدره { فَظَنَّ } بخروجه من بينهم { أَن لَّن نَّقْدِرَ } وتضيّق { عَلَيْهِ } ولا يمكننا حبسه وتضييقه وتغميمه في مكان آخر فهرب ، ولقي البحر فركب على السفينة فسكنت الريح ، فقال البحَّارون : إن ها هنا عبداً آبقاً ، فاقترعوا ، فخرجت القرعة باسمه فألقى نفسه في البحر ، فالتقمه الحوت { فَنَادَىٰ } وناجى ضريعاً فجيعاً مغموراً { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } التي تراكمت عليه ؛ إذ هو في بطن الحوت وكان الليل مظلماً { أَن } أي : أنه { لاَّ إِلَـٰهَ } بعيد بالحق ، ويستحق للعبادة استحقاقاً ذاتياً ووصفياً { إِلاَّ أَنتَ } يا من خضعتُ لك الرقاب ، وانتكستْ دون سرادقات جلالك أعناق أولي النهى والألباب { سُبْحَانَكَ } ربي أنزهك عن جميع ما لا يليق بجنابك ، ولا يليق لشأنك { إِنِّي } بواسطة خروجي عن قومي بغير إذنك ووحيك ، مع أنك أرسلتني إليهم ، وبعثتني بين أظهرهم نبيّاً ذا دعوة وهداية { كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] الخارجين عن مقتضى حكمك وأمرك ، لذلك ضيقتَ الأمر عليّ يا ربي ، وحبستني ولا مخلص لي من هذا المضيق إلا عفوك وكرمك . وبعدما تاب إلينا ، وتوجه نحونا مخلصاً متضرعاً ، واستخلص منا مضطرباً مضطراً { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } وأجبنا دعاءه فأخرجناه من بطن الحوت { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ } العظيم والكرب الكبير { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي } عموم { ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء : 88 ] المخلصين الذين أخلصوا في إنابتهم ورجوعهم نحوننا من كروبهم وأحزانهم .