Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 89-91)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } اذكر أيضاً أخاك { زَكَرِيَّآ } الذي بلغ من الهرم والكهولة إلى حيث آيس ممن استخلفه من نطفته ، وقنط عمن يقوم مقام من نسله ، فشكا إلى الله وقت { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } متمنياً متحسراً آيساً : { رَبِّ } يا من ربَّاني بأنواع الكرم إلى أن كبرتُ وأشرفتْ أركان جسمي إلى الانهدام ، وأجزاء جسدي إلى الانحلال والانخرام { لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } مطقوع الفرع ، منسي الذكر بلا ولدٍ يخلفني ويرث عني ، ويحيي اسمي { وَ } إن جرى حكمك على هذا ، أو مضى قضاؤك على ذا ، فلا أبالي به ؛ إذ { أَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } [ الأنبياء : 89 ] وأكرم المستخلفين . وبعدما تضرع وتمنى ما تمنى { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } عناية منا إياه وفضلاً { وَوَهَبْنَا لَهُ } من كمال جودنا { يَحْيَىٰ } المحيي لاسمه { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بل نفسه أيضاً بعدما أفسدهما الدهر ، وأخرجهما من قابلية الولاة والإيلاد ، وصيرنا زوجته شابة ولوداً بعدما كانت عجوزاً عقيماً ؛ إظهاراً لكمال قدرتنا ووفور حولنا وقوتنا ، وإنما فعلنا بالأنبياء المذكورين ما فعلنا بهم من كمال اللطف والكرم ، ومحض الفضل والإحسان { إِنَّهُمْ } من كمال توجههم وتحننهم نحونا { كَانُواْ } في جميع أوقاتهم وحالاتهم { يُسَارِعُونَ } ويبادرون { فِي ٱلْخَيْرَاتِ } ويسابقون إلى الطاعات المقبولة عندنا { وَ } مع ذلك { يَدْعُونَنَا } في مناجاتهم بنا ، وفي خلواتهم معنا { رَغَباً وَرَهَباً } راغبين إلينا ، راجين عفونا وغفراننا وراهبين عنا ، خائفين منا صولة سطوة قهرنا وغضبنا { وَ } بالجملة هم { كَانُواْ لَنَا } دائماً { خاشِعِينَ } [ الأنبياء : : 90 ] خاضعين متذللين مخبتين ، ولذلك نالوا من الله بسبب خصائلهم هذه ما نالوا من جزيل العطاء ، والفوز بشرف اللقاء والبقاء بعد الفناء . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل أختك العفيفة { ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } من الحلال والحرام ، وصبرت على العزوبة بلا ميل منها ، ولا دغدغة إلى الشهوة تقرباً إلى الله بتحمل المشاق والمتاعب في طريق توحيده ، وبعدما بالغت في الحصن والحفظ ، وبلغت في العفة كمالها وغايتها { فَنَفَخْنَا فِيهَا } أي : أمرنا حامل روحنا ؛ يعني : جبريل عليه السلام بأن ينفخ في جيبها { مِن رُّوحِنَا } فنفخ فسرى إلى جوفها ، فحبلت بعيسى عليه السلام وبعد وضع حملها { وَجَعَلْنَاهَا } أي : مريم { وَٱبْنَهَآ } عيسى { آيَةً } أي : كل منهما آية عجيبة غريبة دالة على كمال قدرتنا وحكمتنا ، خارقة للعادة ، وهي إيجاد الولد بلا أب ، وإيلاد المرأة بلا لمس زوج ، فصار هذا كرامة وإرهاصاً لمريم ، ومعجزةً لعيسى - عليهما الصلاة والسلام - وعبرة { لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 91 ] من حسن حالهما ورفعة رتبتها وعلو شأنهما .