Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 26-30)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كيف لا نذيقه من عذابنا الأليم ، إذ بناء بيتنا هذا على الطهارة الكاملة من جميع الآثام ، اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ بَوَّأْنَا } أي : بيَّنا وعيَّنا { لإِبْرَاهِيمَ } حين شرفناه بأمرنا المتعلق بيناء بيتنا هذا { مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } أي : الكعبة بعدما اندرست وسقطت بالطوفان ، وصارت سوى لا علامة لها أصلاً ، فأعلمنا له بريحٍ أرسلناها مع إبراهيم فكنست الريحُ حولها فبناه على بنائه الذي بناه آدم عليه السلام ، وأوصينا { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً } من مظاهري وأظلالي في الوجود معي { وَ } بعدما نزَّهت ذاتي عن الشريك والنظير { طَهِّرْ بَيْتِيَ } هذا الممثَّل من بيتي الذي في صدرك عن جميع المعاصي والآثام والمؤذيات والقاذورات ، وأنواع الخبائث والمكروهات ، إذ جعلناه قبلة ومقصداً { لِلطَّآئِفِينَ } القاصدين بطوافهم حول البيت التحققَ عند كعبة الذات والوقوف على عرفات الأسماء والصفات { وَٱلْقَآئِمِينَ } المواظبين بالتوجه الدائمي ، والميل الشوقي الحقيقي الحبي بجميع الأركان والجوارح نحو الذات الأحدية ، المنقطعين عن جميع العلائق والإضافات { وَٱلرُّكَّعِ } الراكعين الذين قُصمت ظهور هوياتهم عن حمل أعباء العبودية { ٱلسُّجُودِ } الحج : 26 ] أي : الساجدين المتذللين الخاضعين الواضعين جباه أنانيتهم على تراب المذلة والانكسار لدى الملك الجبار القهار لسمت السوى والأغيار . { وَ } بعدما أوصيناه بما أوصيناه قلنا آمراً إياه : { أَذِّن } وأعلم إعلاماً عاماً { فِي } حق عموم { ٱلنَّاسِ } وبشرهم { بِٱلْحَجِّ } أي : أعلم الداني والقاصي منهم بوجوب الحج عليهم ، لزمهم أن { يَأْتُوكَ } ويزوروا بيتك ويطوفوا حولها آتين { رِجَالاً } مشاة إن كانوا من الأداني { وَ } ركباناً { عَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } بعيرٍ مهزول أهزله وأتعبه بُعد المسافة ؛ إذ { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ } طريق { عَميِقٍ } [ الحج : 27 ] غائر بعيد إن كانوا من الأقاضي ، وإنما أمرناهم بالحج وفرضناه عليهم { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي : أمكنة ينفعهم الحضور فيها والوقوف بها منافع النشأة الأخرى ، ونسّهل عليهم سلوك طريق التوحيد بالفناء والإفناء ، والانقطاع عن حطام الدنيا ، والتعري عن لباس البأس والعناء ، التخلص عن مقتضيات القوى ، والتجلي بلباس التقوى ، والتشمر نحو جناب المولى ، والتجرد عن موانع الوصول إلى دار البقاء من الأموال والأبناء { وَيَذْكُرُواْ } فيها { ٱسْمَ ٱللَّهِ } المشتمل لجميع الأوصاف والأسماء ، المحيط بجميع الأشياء إحاطة الشمس على جميع الأظلال والأضواء بلا تركيبٍ وانقسام إلى أبعاض وأجزاء سيما { فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } عينها الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء للتوجه والدعاء ، وهي عُشر ذي الحجة ، وقيل : أيام النحر { عَلَىٰ } ذبح { مَا رَزَقَهُمْ } الله وأباحهم { مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } مما ملكت أيمانهم ، متقربين بها إلى الله هَدْيَة أو أُضحية { فَكُلُواْ } مما ذبحتم { مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } [ الحج : 28 ] الذين شملهم بؤس الفقر وإحاطته شدة الفاقة . { ثُمَّ } بعد ذبح الهدايا والضحايا { لْيَقْضُواْ } وليزلوا { تَفَثَهُمْ } أي : أوساخهم العارضة لهم من رين الإمكان ، وطغيان الهويات ، ومقتضى الأنانيات { وَ } بعد تطهير أوساخ الإمكان { لْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } التي نذروها في قطع بوادي تعيناتهم ، ومهاوي هوياتهم من ذبح بقرة أمّارتهم المضِلَّة عن سواء السبيل { وَ } بعدما طهروا من الأوساخ ووافوا بالنذور { لْيَطَّوَّفُواْ } منخلعين عن خِلَع ناسوتهم ، متجردين عن ثياب بشريتهم { بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 29 ] والركن الوثيق الأزلي الأبدي ، الذي لا يحلقه انصرام ، ولا يعرضه انقراض وانخرام ، فالأمر ذلك لمن أراد سلوك طريق الفناء ، والحج الحقيقي ، والطواف المعنوي . { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } أي : ومن يحافظ على حرمة ما حرمه الله في أوقات الحج ولم يهتك حرمتها ليجبرها بدم { فَهُوَ } أي : الحفظ بلا هتك حرمة { خَيْرٌ لَّهُ } مقبول { عِندَ رَبِّهِ } من هتكها وجبرها بدم { وَ } اعلموا أيها المؤمنون { أُحِلَّتْ لَكُمُ } في دينكم { ٱلأَنْعَامُ } كلها بأنواعها وأصنافها ، وشرب ألبانها ، والانتفاع بأشعارها وأوبارها والتقرب بها إلى الله في أوقات الحج { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } في كتابكم تحريمه بقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [ المائدة : 3 ] ومتى عرفتم ما أحل الله لكم { فَٱجْتَنِبُواْ } أيها الموحدون { ٱلرِّجْسَ } والقذر الذي هو { مِنَ ٱلأَوْثَانِ } أي : من قبلها ، إذ هي شرك منافٍ للتوحيد والشرك من أخبت الخبائث { وَٱجْتَنِبُواْ } أيضاً { قَوْلَ ٱلزُّورِ } [ الحج : 30 ] والبهتان ، إذ هو ظلمُ والظلم مقرونُ باكفر ، والشركُ معدودُ من عداده مسقطُ للمروءة والعدالة اللازمة لأهل الإيمان والتوحيد .