Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 31-37)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : اجتبوا عن الشرك والمعاصي المنافية للتوحيد ، وكونوا { حُنَفَآءَ للَّهِ } مخلصين له غير مائلين عن دينه { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } شيئاً من مظاهره ومصنوعاته { وَ } اعلموا أيها العقلاء الموحدون أن { مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } الواحد الأحد المنزه عن الشريك مطلقاً سواء كان شركه خفياً أو جلياً { فَكَأَنَّمَا خَرَّ } وسقط { مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : أوج الإيمان وأعلى درجة التوحيد والعرفان { فَتَخْطَفُهُ } أي : إذا سقط أخذه { ٱلطَّيْرُ } فجأة في الهواء ، فيرميه في حضيض غائر بعيد عن العمران { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ } حين سقوطه منها فتطرحه { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج : 31 ] بعيد ، ووادٍ عميق . وبالجملة من يشرك بالله - والعاي به منه - فقد وقع في هاوية الضلال بحيث لا يرجى نجاته منها أصلاً ، الحكم والأمر . { ذٰلِكَ } المذكور لمن أشرك بالله ، ونسي الأدب معه ، ولم يعرف حق قدره { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } المأمورة في أداء الحج ، ويوقرها حق توقيرها وتعظيمها { فَإِنَّهَا } أي : تعظيمها وتحسينها ناشئة { مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] الناظرة إلى الله بنور الحق في جميع حالاتها . { لَكُمْ } أيها المؤمنون الناسكون بمناسك الحج { فِيهَا } أي : في الهدايا والضحايا { مَنَافِعُ } درها وصوفها وشعرها وظهرها ونسلها { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : إلى حلول وقتٍ عيّنه سبحانه لذبحها { ثُمَّ } بعدما قرب وقتها ، وحان حينها { مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 33 ] أي : محل ذبحها عند البيت العتيق ؛ أي : جميع الحرم حواليه . { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم الماضية { جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي : مذبحاً معيناً يتقربون فيه إلينا ، ويهدون نحونا بهدايا وقرابين وإنما أعطيناهم ذلك { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } عند التذكية والذبح { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ } مما ملكت أيمانهم { مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } قيدنا لهم ؛ لأن الخيل والحمير لا يليق بالقربان والهدي ، وبعدما علمتم أن لكل أمة مذبحاً معيناً ومنسكاً مخصوصاً يتقربون فيها إلينا { فَإِلَـٰهُكُمْ } أي : فاعلموا أن إلهكم { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أحد صمد فردٌ وترٌ لا تعدد فيه ولاشركة { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } وتوجهوا إن كنتم مسلِّمين أموركم إليه { وَبَشِّرِ } يا أكمل الرسل من بين المؤمنين المسلمين بالمثوبة العظمى ، والدرجة العليا ، والفوز بشرف اللقيا { ٱلْمُخْبِتِينَ } [ الحج : 34 ] المطيعين الخاضعين المتواضعين الذين خَبَت ، وخمدت نار شهواتهم من بأس الله وخشيته . وهم { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ } القادر المقتدر بالإنعام والانتقام { وَجِلَتْ } وخشيت { قُلُوبُهُمْ } خوفاً من قهره وغضبه ، وصولة صفات جلاله وسطوة سلطنته وكبريائه { وَ } أيضاً { ٱلصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } من المصيبات والبليات التي جرى حكم الله عليه في سابق قضائه { وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلاَةِ } المفروضة بأوقاتها مع شرائطها ، وأركانها ، وآدابها تقرباً إليه ، وتوجهاً نحوه بكمال الخضوع ، والخشوع ، والتذلل ، والانكسار { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } و استخلفناهم عليه ، ونسبناه إليهم { يُنفِقُونَ } [ الحج : 35 ] على الوجه الذي أمرناهم به ، أي : على المصارف المذكورة في قوله سبحانه : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } [ التوبة : 60 ] . متقربين بها إلى الله . { وَ } جعلنا خير الهدايا والضحايا { ٱلْبُدْنَ } جمع : بادن كبذل جميع باذل ، وهي : الإبل خاصةً سميت بها ؛ لعظم بدنها وجسامتها ، وغلاء ثمنها ، وعظم وقعها في نفوس الناس لذلك { جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } وأعلام دينه ومعالم بيته { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } كثير ، وأجر جزيل ، وثواب عظيم عند الله إن ذبحتموها ، وإذا أردتم ذبحها { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } عند تذكيتها قائلين : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، اللهم منك ، وما لنا إلا امتثال ما أمرتنا به ، والسرّ عندك ولديك ، والحكمة دونك ، واذبحوها { صَوَآفَّ } أي : صافة قوائمها مشدودة محكمة ، ثم تطعنون في لباتها { فَإِذَا وَجَبَتْ } وسقطت { جُنُوبُهَا } على الأرض وخرجت روحها من الجسد { فَكُلُواْ مِنْهَا } إن شئتم { وَأَطْعِمُواْ } أيضاً { ٱلْقَانِعَ } وهو الفقير يقنع بما يُعطى ، ولا يبادر إلى السؤال والإلحاح { وَ } أطعموا أيضاً { ٱلْمُعْتَرَّ } وهو الذي يبادر إلى السؤال قبل الإعطاء ، ويبالغ فيه { كَذٰلِكَ } أي : على الوجه المذكور { سَخَّرْنَاهَا } وذللناها ؛ أي : البُدن { لَكُمْ } مع أنها في كمال القوة والجسامة ، وأنتم في غاية الضعف ، كي تتفطنوا من تسخيرها وتذليلها عليكم إلى تذليل أمّارتكم المسلطة عليكم ، فذبحتموها في طريق الحق مشدودة قوائم قواها عن مقتضاها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الحج : 36 ] نعمة الإقدار والتوفيق عليها ، وتعطون بدلها من لدنه سبحانه : ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . واعلموا أيها المتقربون إلى الله بالهدايا والضحايا : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ } أي : لن يصيب ويصل إليه سبحانه { لُحُومُهَا } المتصدق بها ، إذ هو منزه عنها وعن الانتفاع بها { وَ } أيضاً { لاَ } يصل إليه سبحانه { دِمَآؤُهَا } المهراقة { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ } ويصل منها إليه سبحانه { ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } أي : التحرز والاجتناب عن محارمه ومنهياته والامتثال بأوامره والإتيان بمأموراته ، وبالجملة بقربكم إليه سبحاه امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، لا اللحوم والدماء . ثم كرره سبحانه تأكيداً أو مبالغة بقوله : { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } أي : الهدايا والضحايا { لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ } المتعزز بالعظمة والكبرياء ، المستقل بالمجد والبهاء حق تكبيره ، وتعظموه حق تعظيمه وتوقيره { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } وأرشدكم إلى الإيمان والتوحيد { وَبَشِّرِ } يا أكمل الرسل { ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الحج : 37 ] منهم ، وهم الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، ويحسنون الأدب معه ، كأنهم ينظرون إليه سبحانه .