Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 38-43)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما خشي المؤمنون على معاداة المشركين ، وخافوشا عن مخاصمتهم ، وغيظهم إذا خرجوا نحو مكة للزيارة والطواف قاتَلوا معهم ، وأكَّبوا عليهم وعلى أموالهم ، وأَسَروا أولادهم ، أزال الله سبحانه عنهم الرعب وأسقط عنهم الخشية بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ } المتكفل لأمور عباده ، الحفيظ عليهم عما يؤذيهم { يُدَافِعُ } كيد الكفرة العداة البغاة الطغاة { عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بالله وصدقوا بشعائر دينه ، وقصدوا إقامتها على أمره ووحيه ، كيف لا يدفع سبحانه مع كمال قدرته خيانةَ من خان بأحبائه وأصدقائه { إِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم لأعدائه { لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ } مبالغ في الخيانة سيما مع أوليائه وأحبائه { كَفُورٍ } [ الحج : 38 ] مبالغ في كفران نعمه ، حيث صرفها في غير محله مثل : هدي الكفرة ، وذبحهم لأصنامهم وأوثانهم . ثم لما اشتد إضرار الكفرة بالمسلمين وامتد أذاهم عليهم ظلماً وعدواناً ، أراد المؤمنون أن يقاتلوا ويشاجروا معهم ، منعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال والحراب بإذن الله ووحيه سبعينَ مرة لنزول آية في المنع عنه ، وقال صلى الله عليه وسلم في كل مرة : أصبروا حتى يأمر الله . ثم لما شق على المسلمين ظلمهم وضررهم وصاروا مهانين صاغيرين مع قدرتهم على مقاتلتهم ومدافعتهم { أُذِنَ } ورُخِّص من جانب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } أي : يريدون القتال معهم بعدما تحلموا كثيراً من أذاهم وظلمهم ، فنزل هذه الآية للرخصة بعدما نزلت سبعون آية بعدمها ، لذلك قيل نسخت هذه الآية نيفاً وسبعين ، وإنما رخصهم سبحانه بها { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } أي : بسبب أنهم صاروا مظلومين صاغرين عن أذى الكفار والمشركين { وَإِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر { عَلَىٰ نَصْرِهِمْ } أي : نصر الأولياء على الأعداء { لَقَدِيرٌ } [ الحج : 39 ] لينصرهم ويغلبهم عليهم ، وإن كانوا أكثر منهم ، وكيف لا ينتقم سبحانه عن أعدائه لأجل أوليائه ؟ . إذ هم { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم } ظلماً وعدواناً { بِغَيْرِ حَقٍّ } ورخصة شرعية موجبة للإخراج والإجلاء { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } أي : لا موجب لأخراجهم سوى قولهم هذا : { رَبُّنَا ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد المنزه عن الشريك والولد { وَ } كيف لا يدفع سبحانه شر الكفرة عن أوليائه الموحدين ؛ إذ { لَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي : بتسليط أهل الإيمان على المشركين المعاندين { لَّهُدِّمَتْ } وخرجت باستيلاء الأعداء على الأولياء { صَوَامِعُ } للرهابنة { وَبِيَعٌ } للنصارى { وَصَلَوَاتٌ } هي كنائس اليهود { وَمَسَاجِدُ } للمسلمين ، إنما عد كل واحد منها { يُذْكَرُ فِيهَا } أي : في كل واحد منها { ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } أي : حيناً كثيراً ، وذكراً كثيراً { وَ } اللهِ { لَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ } المتكفل بعباده { مَن يَنصُرُهُ } ويعين دينه ونبيه ويصدق كتابه { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لما في صدور عباده من الإخلاص { لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ الحج : 40 ] غالب قادر على الإنعام والانتقام لأوليائه من أعدائه ، كما سلط ضعفاء أهل الإيمان على صناديد العرب والعجم من الأكاسرة والقياصرة ، وشاع دينهم بين الأنام إلى يوم القيامة . وكيف لا ينصرهم سبحانه ، إذ هم : { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ } وقدرناهم وجعلنا لهم التصرف والاستيلاء { فِي ٱلأَرْضِ } المعدة للطاعات والعبادات { أَقَامُواْ } وأداموا { ٱلصَّلاَةَ } والميل إلينا بجميع جوارحهم وأركانهم ميلاً مقروناً بأنواع الخضوع ، والخشوع ، والاستكانة ، والانكسار ، تطهيراً لنفوسهم عن العتو والاستكبار ، وتقريباً لهم إلينا على وجه المذلة والافتقار { وَ } مع ذلك { آتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ } المصفية لبواطنهم عن الميل إلى زخرفة الدنيا الغدارة { وَأَمَرُواْ } على من دونهم { بِٱلْمَعْرُوفِ } المستحسن عقلاً وشرعاً { وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } المستقبح شرعاً وعرفاً على الوجه المبين لهم من ألسنة رسلهم كتبهم المنزلة عليهم من الله { وَلِلَّهِ } المدبر لأحوال عباده { عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } [ الحج : 41 ] أي : مرجع جميع الأمور الجارية فيما بينهم ، المتعلق بتهذيب ظواهرهم ، وموانع بواطنهم عن موانع الوصول إلى مرتبة التوحيد . ثم لما تغمم رسول الله صلى لله عليه وسلم وتحزّن من تكذيب قومه إياه صلى الله عليه وسلم ، ونسبتهم له ما لا يليق بشأنه ، أراد سبحانه أن يسلّي حبيبه صلى الله عليه وسلم ويزيل عنه همَّه فقال : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ } قومُك يا أكمل الرسل لا تبال بهم وبتكذيبهم { فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي : قبل أمتك { قَوْمُ نُوحٍ } أخاك نوحاً عليه لاسلام { وَعَادٌ } أخاك هوداً عليه السلام { وَثَمُودُ } [ الحج : 42 ] أخاك صالحاً عليه السلام . { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ } جدك الخليل أبا الأنبياء - عليه وعليهم السلام - { وَقَوْمُ لُوطٍ } [ الحج : 43 ] أخاك لوطاً عليه السلام .