Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 91-108)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومن جملة ما تنسبون إلى الله سبحانه افتراءً ومراءً : إثبات الولد له سبحانه مع أنه { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الذي شأ ، ه ووصفُه أنه : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] { مِن وَلَدٍ } إذ هو من خواص الأجسام ولوازم الإمكان ، وهو سبحانه منزهُ عنهما . { وَ } من جملة أكاذيبهم البالطة أيضاً : إثبات الشريك له سبحانه مع أنه { مَا كَانَ } أي : ما صحَّ وجاز أن يكون { مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ } شريكاً يُعبد بالحق مثله ، ويستحق بالعبادة اسحتقاقاً ذاتياً ووضعياً كما هو شأنه سبحانه { إِذاً } أي : حين كان الإله الواجب الوجود المستحق للعبادة متعدداً كما زعم أولئك المبطلون { لَّذَهَبَ } وتميز { كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } أوجد وأظهر ، فيكون مَلْك كلٍ منهما ممتازاً عن الآخر ، وإذا كان الإله متعدداً أو المملكة ممتازةُ ، لأمكن التغالب والتحارب ألبتة { وَلَعَلاَ } أي : غلب وارتفع { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } هم بالقدرة والاستيلاء ، فاحتل النظام المشاهد المحسوس ، ولم يبقَ له انتظامُ وقيامُ { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } وتعالى ذاته { عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] به أولئك الجاهلون الغافلون عن علوِّ شأ ، ه من إثبات الولد له والشريك مع تعاليه ، وتنزهه في ذاته عنهما وعن أمثالهما . وكيف يكون له ولد ومعه شريك ، وهو بذاته { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } لا يعزب عن حيطة علمه شيء { فَتَعَالَىٰ } سبحانه { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ المؤمنون : 92 ] أولئك المعاندون من أن يكون له ولدُ يشبهه أو شريكُ يماثله مع أخص أوصافه التي هي وجوب الوجود والعلم بالغيب والشهادة حضوراً . { قُل } يا أكمل الرسل مستعيذاً بالله من شر ما سيلحق لأولئك المعاندين المبطلين : { رَّبِّ } يا من رباني بمزيد اللطف والإحسان { إِمَّا تُرِيَنِّي } أي : أن تحققَ وتقررَ عنك يا مولاي إراءتك إياي { مَا يُوعَدُونَ } [ المؤمنون : 93 ] أولئك المسرفون المشركون من أشد العذاب والنكال في العاجل والآجل ؛ ليكون بسبب عبرتي وتذكيري من أحوالهم . { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ المؤمنون : 94 ] مقارناً لهم معدوداً من عدادهم ملحقاً بي ما سيلحقهم من أنواع العذاب الصوري والمعنوي ، الدنيوي والأخروي . { وَ } قال سبحانه : { إِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ } من العذاب { لَقَادِرُونَ } [ المؤمنون : 95 ] يعني : إنا قادرون على أن نريك العذاب الموعود إياهم في هذه النشأة ، لكنا نؤخرهم ونمهلهم رجاءَ أن يؤمن بعضهم ، أو يحصل منهم المؤمنون من نسلهم وذرياتهم . وإذا كنا نمهلهم ونؤخر عذابهم لحكم ومصالحَ { ٱدْفَعْ } أنت أيضاً يا أكمل الرسل { بِٱلَّتِي } أي : بالدلائل والشواهد التي { هِيَ أَحْسَنُ } من المقاتلة والمشاجرة { ٱلسَّيِّئَةَ } التي هي ما هم عليها من الكفر والشرك ، لعل دلائلك تلين قلوبهم وتصفيهم من المكابرة والعناد معك ؛ إذ { نَحْنُ أَعْلَمُ } منك { بِمَا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 96 ] أي : يصفونك به ، وينسبون إليك ما لا يليق بجانبك ، وثق بنا وتوكل في جميع حالاتك علينا ، واتخذنا وكيلاً ، وفوِّض أمر انتقامهم إلينا ، فإنا نكفي عنك مؤنة شرورهم . { وَقُلْ رَّبِّ } يا من رباني بكنفك وجوارك { أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } [ المؤمنون : 97 ] ووساوسه وأنواع تسويلاته وتلبيساته { وَ } لا سيما { أَعُوذُ } وألوذ { بِكَ } يا { رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } [ المؤمنون : 98 ] عند توجهي نحوك ، وتحنني إليك ومناجاتي معك ، سيما في خلال صلاتي وعند تلاوتي وعرض حاجاتي . والكافرون من غياة انهماكهم في الغفلة ، ومصرون على ما هم عليه من الشرك والكفر { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } وعاين من أمارات النشأة الأخرى ، تنبيه حينئذٍ يقبح صنائعه التي أتى بها في النشأة الأولى { قَالَ } حينئذٍ متضرعاً إلى الله نادماً متمنياً متحسراً : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } [ المؤمنون : 99 ] بفضلك وجودك إلى النشأة الأولى . { لَعَلِّيۤ } بعد رجوعي عملاً { أَعْمَلُ صَالِحاً } مصلحاً { فِيمَا تَرَكْتُ } وأفسدتُ من أمور الإيمان والإطاعة والانقياد { كَلاَّ } ردعُ له عن هذا السؤال والدعاء ، ومنعُ له عن أنجاح سؤله { إِنَّهَا } أي : طلب المراجعة { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } من غاية الحسرة والندامة على ما فات عنه في الابتلاء { وَ } كيف يرجع إليها ؛ إذ { مِن وَرَآئِهِمْ } أي : أمامهم وقدامهم { بَرْزَخٌ } أي : حجابُ مانعُ يمنعهم عن الرجوع { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 100 ] يعني : لا يمكنهم الرجوع إلى دار الدنيا والحياة يها إلا الحياة في يوم البعث والجزاء . { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } لحشر الأموات ونشرها من قبورهم ، فيخرجون منها حيارى سكارى تائهين هائمين { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } بل يفرُّ كل أمرئٍ من أخيه وصاحبته وبنيه ؛ إذ لكلٍ منهم شأن يغنيه { وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] أي : لا يسأل بعضُهم أحوالَ بعضٍ ، بل كل نفسٍ منهم رهينةُ ما كسبت بلا التفاتٍ منه إلى غيره . { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } ورُجِّحت خيراته على شروره ومعاصيه { فَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ المؤمنون : 102 ] الفائزوون المصورون على الفوز والفلاح { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] . { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } ورجحت سيئاته على حسناته { فأُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون هم { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } خسراناً مبيناً إلى حيث هم ؛ لانهماكهم في الشرور والسيئات { فِي جَهَنَّمَ } البعد والخذلان { خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 103 ] مخلدون دائمون لا نجاة لهم منها أصلاً من شدة اشتعال النار وتلهبها . { تَلْفَحُ } وتحرق { وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا } أي : في النار { كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] عابسون حيث تقلص شفاههم عن أسنانهم ؛ بحث تصل شفتهم العليا إلى وسط رأسهم والسفلى إلى سرتهم . ومتى تضرعوا وتفزعوا ، وبثُّوا الشكوى إلى الله قيل لهم من قِبل الحق : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي } الدالةُ على عظة ذاتي ، وكمال قدرتي على الأنعام والانتقام { تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } حين ابتليناكم في النشأة الأولى { فَكُنْتُمْ } من غاية غفلتكم وضلالكم { بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ المؤمنون : 105 ] وتنكرون عناداً واستكباراً ، فالآن لحقكم وعرض عليكم ما أنكرتم له وأعرضتم عنه . وبعدما سمعوا من التوبيخ والتقريع ما سمعوا ، { قَالُواْ } متضرعين معترفين بما صدر عنهم من البغي والعناد : { رَبَّنَا } يا من ربَّانا على فطرة السعادة والهداية { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } واستولت أمّارتنا ، وصالت علينا أمانينا وأهويتنا { وَكُنَّا } بمتابعة تلك البغاة الغواة الضُّلاَّل { قَوْماً ضَآلِّينَ } [ المؤمنون : 106 ] منحرفين عن طريق الحق ، ناكبين عن صراطٍ مستقيم . { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا } بفضلك وجودك { مِنْهَا } أي : من النار { فَإِنْ عُدْنَا } بعدما خرجنا منها إلى ما كنا عليه قبلُ من الغفلة والغرور { فَإِنَّا } حينئذٍ { ظَالِمُونَ } [ المؤمنون : 107 ] لأنفسنا بالعرض على أنواع العذاب وأشد النكال . { قَالَ } سبحانه في جو ابهم زجراً وتبكيتاً : { ٱخْسَئُواْ } واستكوا { فِيهَا } أي : في النار مهانين صاغرين { وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنين : 108 ] معي ، ولا تناجوا إليّ لدفع عذابكم وتخفيفه وإخراجكم من النار ؛ إذ أنتم فيها خالدون .