Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أشار سبحانه إلى تطهير ذيل عائشة - رضي الله تعالى عنها - عما رماها وافتراها أهل الزيغ والضلال جهلاً بحالها وعلوِّ شأنها ، وكمال عصمتها وعِفَّتها ، فقال : { إِنَّ } المفسدين المسرفين { ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ } أي : بالكذب الصارف عن الحق { عُصْبَةٌ } أي : فرقةُ وعصابةُ معدودةُ { مِّنْكُمْ } أيها المؤمنون المقذوفون مع أنهم { لاَ تَحْسَبُوهُ } ولا تظنوه أي : الإفكَ الذي جاءوا به { شَرّاً لَّكُمْ } ولحوقَ عارٍ عليكم { بَلْ هُوَ } أي : إفكُهم { خَيْرٌ لَّكُمْ } وسببُ ثوابٍ عظيمٍ وأجر جزيلٍ ، و ظهور كرامةٍ ، ونزول آياتٍ عظام في براءتكم وطهارتكم وتهويل شأنكم . وصار { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } أي : من القاذفين المفتريين جزاء { مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } والإفكِ الذي جاءوا به ظلماً وزوراً { وَ } لا سيما الشخصَ { ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ } أي : معظم الآفكين ، وهو الذي أخذ في إفشائه وإشاعته ، وهو ابن أُبيّ { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النور : 11 ] في الدنيا والآخرة ؛ إذ هو مطرود بين المؤمنين ، مشهورُ بالنافق ، وله في الآخرة أشدُّ العذاب . ثم وبّخ سبحاه على الآفكين وقرَّعتههم ؛ حيث قال : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي : الإفكَ أيها الآفكومن لم تظنوا بالمذروفيْن خيراً كما { ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ } لَمْ تقولوا كما { قَالُواْ } أي : المؤمنون : { هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ النور : 12 ] وكذبُ عظيمُ وفريةُ بلا مريةٍ ؛ إذ ساحة عصمتها وطهارة ذيلها ونجابة طينتها أجلُّ وأعلى من أن يُفْترى عليها أمثال هذه المفتريات الباطلة . عصمنا الله عما لا يرضى منه سبحانه { لَّوْلاَ جَآءُوا } أي : الآفكون المسرفون وأتوا { عَلَيْهِ } أي : على إفكهم هذا { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } عدولاً لصدقوا فيما قالوا { فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ } الأربع العدول { فَأُوْلَـٰئِكَ } الآفكون المفترون { عِندَ ٱللَّهِ } المطلع لضمائرهم { هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ النور : 13 ] المقصورون على الكذب ، يجازيهم سبحانه على مقتضى ما افتروا من الكذب والبهتان ، سيما مع أهل البيت ، أهل العصمة والكرامة . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أيها الباهتون ، المفترون بتوفيكم على الإنابة والرجوع عن هذه الفرية العظيمة { وَرَحْمَتُهُ } الشاملة لكم { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ } وخضتم في إشاعته وإذاعته { عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النور : 14 ] عاجلاً وآجلاً . { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } مع نهاية كراهته وسماجته { بِأَلْسِنَتِكُمْ } سائلاً بعضُكم بعضاً متلقياً على قبوله وسماعه { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } لا ظنُ ولا يقينُ بل جهلُ وتخمينُ ، { وَ } مع عظم هذا الجرم عند الله { تَحْسَبُونَهُ } أيها الحمقى المسرفون { هَيِّناً } سهلاً يسيراً ، لا يترتب عليه شيءُ من العذاب والعقاب { وَ } الحال أنه { هُوَ } أي : رمي تلك البريئة العفيفة { عِندَ ٱللَّهِ } المطلع لعفتها وعصمتها { عَظِيمٌ } [ النور : 15 ] فظيعُ في غاية العظمة والفظاعة ، مستجلبُ لأنواع العذاب وأشد النكال ؛ إذ الافتراء بآحاد الناس يوجب أشدَّ العذاب وأسوأ العقاب ، فكيف بأفضلهم وأشرفهم ! . { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أولاً أيها الآفكون المفترون { قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ } أي : ما يصح ويجوز { لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } الفحش الباطل الكذب الصريح العاطل { سُبْحَانَكَ } نقدسك وننزهك من أن تمكِّن أحداً يفعل ، ويقول في حق حليلة حبيبك صلى الله عليه وسلم أمثال هذا الافتراء ؛ إذ { هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] تبهتُ ، وتحيرُ منه العقول ، وتضطرب الأسماع ، وتتقلقل القلوب . { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ } المصلح لمفاسدكم ، ويبالغ في وعظكم وتذكيركم كرهاة { أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } ما دمتم حياً { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ النور : 17 ] بالله مصدقين لنبيه ؛ إذ أمثال هذه الخرافات بالنسبة إلى أهل بيت النبوة من أمارات الكفر والتكذيب ، وعلامات سوء الأدب مع الله ورسوله . { وَ } بعد صدور أمثال هذه الخرافات من أهل السرف والإفساد { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } المدبر { لَكُمُ ٱلآيَاتِ } الدالة على الصفح والإعراض عن أمثال هذه الافتراءات الهاتكة لأستار محارم الله ، سيما مع أكرم عترة حبيبه { وَٱللَّهُ } المصلح لأحوالكم { عَلِيمٌ } بما في ضمائركم وخواطركم { حَكِيمٌ } [ النور : 18 ] في إزالة ما يضركم ويغويكم .