Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 41-45)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَ } ولم تعلم أيها المعتبر الرائي { أَنَّ ٱللَّهَ } المتوحدَ برداء العظمة والكبرياء ، المستقل بالوجود الحقيقي بكمال اللطف والجود { يُسَبِّحُ لَهُ } ويقدسه سبحانه عن جميع ما لا يليق بشأنه عن شوب النقص وسمات الحدوث والإمكان ، جميعُ { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من المجبولين على المعرفة المتوجهين نحو المبدع طوعاً { وَ } جميع من في { ٱلأَرْضِ } أيضاً كذلك { وَ } كذا { ٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ } باسطاتٍ أجنحتهن في الجو { كُلٌّ } أي : كل واحدٍ من المسبحين السماويين والأرضيين والهوائيين { قَدْ عَلِمَ } وأشعر { صَلاَتَهُ } وميله إلى ربه الذي أوجده وأظهره { وَتَسْبِيحَهُ } الذي سبَّح ونزه به مبدعاً عما لا يليق بجنابه { وَٱللَّهُ } المتجلي بأسمائه الحسنى وصفاته العليا { عَلِيمٌ } بعلمه الحضوري { بِمَا يَفْعَلُونَ } [ النور : 41 ] أي : بحميع ما صدر عنهم من التوجه والتسبيح ، وإخلاصهم فيه . وكيف لا يعلم سبحانه أفعال عباده ومملوكه ؛ إذ { وَللَّهِ } المظهر المبدعِ ابتداءً { مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } وجميع من فيها وما فيها { وَٱلأَرْضِ } ومن عليها وما عليها ، فله التصرف فيهما ، وفيما بينهما بالاستقلال والاختيار بلا مزاحمة الأضداد والأغيار { وَ } كيف لا { إِلَىٰ ٱللَّهِ } لا إلى غيره من الأظلال الهالكة في بيداء الضلال { ٱلْمَصِيرُ } [ النور : 42 ] أي : المرجع المنتهى ؛ إذ الكل منه بدأ وإليه يعود ، هو الأول والأخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء كائنُ وسيكون أزلاً وأبداً عليمُ خبيرُ ، يظهره ويعدمه حسب علمه وخبرته بإرادته واختياره . { أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي { أَنَّ ٱللَّهَ } المتكفلَ لأرزاق عباده كيف { يُزْجِي } ويسوق أجزاء الأبخرة والأدخنة إلى فوقٍ متفرقةً ؛ ليجعله { سَحَاباً } هامراً { ثُمَّ يُؤَلِّفُ } ويركب { بَيْنَهُ } أي : بين أجزاء السحاب { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً } متراكماً متكاشفاً متصلاً ؛ ليكوّن منه مياهً كثيرةً ، ثم يُجعل له فتوقاً ومنافذَ { فَتَرَى } أيها الناظر المعتبر { ٱلْوَدْقَ } أي : المطر المتقاطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } وفتوقه غايةً منه سبحانه لمن في حوزته فضلُه وجودُه { وَ } كذا { يُنَزِّلُ مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا } يعني : من قطعِ سحابٍ متراكمٍ في الجو على هيئة الجبال الرواسي { مِن بَرَدٍ } متكونٍ من الأبخرة والأدخنة الواصلة إلى الطقبة الزمهريرية من الهواء وصولاً تاماً ، إلى حيث انجمدت انجماداً صلباً كالحجر من كمال البرودة ، فيُنزل منها إظهاراً لقهره سبحانه ، وتنبيهاً على صَولة سطوة صفاته الجلالية { فَيُصِيبُ بِهِ } سبحانه { مَن يَشَآءُ } من عباده ممن سبق القهرُ والغضبُ منه سبحانه يمقتضى جلاله سبحانه { وَيَصْرِفُهُ } أي : يصرف شره { عَن مَّن يَشَآءُ } من أهل العناية على مقتضى لطفه وجماله . ومن أمارات غضب الله وقهره : إنه { يَكَادُ } ويقرب { سَنَا بَرْقِهِ } اللامعِ ؛ أي : ضوئهِ الحاصلِ منه في كمال الظلمة حالة الاصطكاك { يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } [ النور : 43 ] الناظرة نحوه ، ويختطفها بحدوث الضد من الضد فجأة ، وذلك من الأسباب التافهة التامة لتفريق البصر . وكيف لا يخطف الأبصار حين { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ } المحوِّل للأحوال فيه { ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } بغتةً بلا تراخٍ ومهلةٍ إظهاراً لكمال قدرته ، واختباره واستقلاله بالتصرف في مظاهره ومصنوعاته { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } التبديل والقلب وإحداث الضد من الضد بغتةً { لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [ النور : 44 ] المنكشفين بوحدة الواجب وصفاته الذاتية التي هي منشأ جميع ما ظهر وبطن من الكوائن والفواسد بإرادته واختياره ، المستدلين من آثار أوصافه وأسمائه بعلو شأنه وسمو برهانه ، المتيقنين بوحدة ذاته وتنزهه عن وصمة الكثرة والشركة مطلقاً . { وَٱللَّهُ } المتوحد بذاته المعتزز بكمال أسمائه وصفاته { خَلَقَ } أي : أظهر وقدَّر { كُلَّ دَآبَّةٍ } تتحرك على الأرض { مِّن مَّآءٍ } وهو العنصر الأصلي لوجود الحيوانات ؛ هو مبدأ حركاتهم ومنشأ إحساساتهم وإدراكاتهم ، لذلك خُصََّ بالذكر بين العناصر وإن كانت مركبةً من جميعها { فَمِنْهُمْ } أي : من الدواب ، ذكرَ الضمير وجمعها جمع العقلاء على سبيل التغليب ؛ لأن العقلاء منها { مَّن يَمْشِي } ويزحف { عَلَىٰ بَطْنِهِ } بلا آلةِ المشي كالحية { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ } كالطير والإنسان { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ } كالمنعم والوحش . وبالجملة : { يَخْلُقُ ٱللَّهُ } المقتدر على الخلق والإيجاد { مَا يَشَآءُ } من الموجودات والخلوقات إرادةً واختياراً { إِنَّ ٱللَّهَ } المتصفَ بصفات الكمال { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } داخلٍ في حيطة علمه { قَدِيرٌ } [ النور : 45 ] بإيجاده وإظهاره في فضاء العيان بلا قتور وقصورٍ .