Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 46-52)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سحبانه تحريكاً لحمية عباده ، وتشديداً لبنيان اعتقاداتهم بالله وتوحيده وأسمائه وصفاته : { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ } من مقام جودنا ، ولطفنا إليكم إيها المحبوسون في مضيق الإمكان ، المقيدون بسلاسل الكفران والعصيان { آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } موضحاتٍ مفصلاتٍ لتوحيدنا وصفاتنا وقدرتنا على الإنعام والانتقام ، لعلكم تتفطنون منها إلى علو شأننا وكمال سطوتنا وسلطاننا ، مع أن أكثركم لا تتفطنون ولا تتنبهون ؛ لانهماككم في بحر الغفلة والضلالة ، { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده { يَهْدِي } بفضله { مَن يَشَآءُ } هدايته منهم { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النور : 46 ] موصلٍ إلى كعبة توحيده بلا عوج وانحراف . { وَ } من انحراف المنافقين ، وانصرافهم عن طريق الحق ، وميلهم إلى الباطل { يَِقُولُونَ } بأفواههم خوفاً من حقن دمائهم وأموالهم : { آمَنَّا بِٱللَّهِ } المتوحّد في ذاته { وَبِٱلرَّسُولِ } المرسل من عنده لتبليغ دينه وآياته ، { وَأَطَعْنَا } لحكم الله ورسوله سمعاً وطاعة { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ } أي : يعرض وينصرف { فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أي : من المنافقين { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } الإقرار عن حكم الله ورسوله تكذيباً لنفسه ، وإظهاراً لما في قلبه من الكفر والنفاق { وَ } لذلك { مَآ أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون { بِٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النور : 47 ] المتصفين بالإيمان والإذعان حقيقةً ، وإن أقروا واعترفوا على طرف اللسان ؛ لأن الإيمان من صفات القلب واللسانُ مترجمُ له . { وَ } كيف كانوا مؤمنين أولئك المنافقون مع أنهمن { إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } المصلح لأحوال عباده { وَرَسُولِهِ } المستخلفِ منه سبحانه النائبِ عنه بإذنه { لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } ويقطع نزاعهم { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ النور : 48 ] أي : فأجاءوا إلى الانصراف عن حكم الله وحكم رسوله بعدما دُعوا إلى رسوله إن كان الحكم عليهم . { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ } والحكم { يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ } أي : إلى الرسول { مُذْعِنِينَ } [ النور : 49 ] منقادين طائعين ، وبالجملة : هم تابعون لمطلوبهم ، وما هو مقصودهم ، طالبون أن يصلوا إلى ما أَمِلوا في نفوسهم ، بلا ميلٍ منهم إلى الحق وصراطه المستقيم وميزانه العدل القويم . وما سبب ميلهم وإعراضهم ؟ ! { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعرضهم عن قبول الإيمان ، والميل إلى اليقين والعرفان { أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ } وترددوا في عدالة الله ورسوله { أَمْ يَخَافُونَ } من سوء ظنونهم { أَن يَحِيفَ } ويميل { ٱللَّهُ } المستوي على القسط والعدل { عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } المتخلقُ بأخلاقه ظلماً ، بأن أجازوا الظلم على الله ورسوله { بَلْ } الحق أنه لا شكل في عدالة الله ورسله ، ولا يُنسب الحيف والميل إليهما أصلاً ، فتعين أنه { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء عن ساحة القبول { هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ النور : 50 ] المقصورون على الخروج عن حد الاعتدال ، المائلون عن الصراط المستقيم لمرض قلوبهم وخبثِ طينتهم . ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المخلصين على عكس المنافقين والمترددين { إِذَا دُعُوۤاْ } عند النزاع والمخاصمة { إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } ويزيل شبههم { أَن يَقُولُواْ } طائعين راغبين : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } بلا مطلٍ وتسويفٍ ، رضينا بما حكمنا الله ورسوله { وَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله ورسوله { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ النور : 51 ] الفائزون بالفلاح ، المقصورون على الصلاح والنجاح ، ولا يتحولون عنه بل يزادون عليه تفضلاً وامتناناً . { وَ } كيف لا يزادون ؛ إذ { مَن يُطِعِ ٱللَّهَ } حق إطاعته وينقاد { وَرَسُولَهُ } حق الانقياد والاتِّباع { وَيَخْشَ ٱللَّهَ } المنتقمَ فيما صدر عنه ، ومضى عليه من الذنوب بعدما تاب وندم { وَيَتَّقْهِ } عنه سبحانه فيما بقي من عمره { فَأُوْلَـٰئِكَ } المطيعون المنقادون بالله ورسوله ، الخاشعون المخبتون المتقون { هُمُ } المتقون { ٱلْفَآئِزُون } [ النور : 52 ] بالمثوبة العظمى والدرجة العليا عند الله { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] .