Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 53-56)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } من خباثة بواطنهم أهل الشرك والشقاق ، وشدة شيكمتهم ونفاقهم معك يا أكمل الرسل : { أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } تروجياً لنفاقهم وتغريراً للمؤمنين { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } وغاية حلفهم ، مبالغين فيها ، مغلظين منكرين للامتناع عن حكم الرسول بقولهم ، واللهِ { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ } يا أكمل الرسل ؛ أي : المنافقين بالخروج عن الديار ، والجلاء عن الوطن { لَيَخْرُجُنَّ } عنها بلا مطلٍ وتسويفٍ ، ممتثلين أمرك ، فيكف يتأتى منا الامتناع عن حكمك وما هو إلا من غاية تلبيسهم ونافقهم . { قُل } لهم يا أكمل الرسل بعدما تيقنتَ نفاقَهم بالهامٍ منا إليك ووحي : { لاَّ تُقْسِمُواْ } بالله أيها المسرفون المفرطون ، ولا تبالغوا في الحلف الكاذب ، فإن المطلوب منكم { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } مشهورةُ بين الناس بلا إتيان مخالفةٍ منكم ظاهراً ، وأمَّا أمر بواطنكم وقلوبكم فسَّرُّه عند الله { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلعَ لسرائركم وضمائركم { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ النور : 53 ] وتقصدون في نفوسكم ، يجازيكم على مقتضى خبرته . { قُلْ } يا أكمل الرسل للناس على سبيل التبليغ العام ، والراسلة المطلقة : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } المظهرَ لكم من كتم العدم ، وانقادوا لجميع أوامره ونواهيه { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } المبعوثَ إليكم ، وصدِّقوه في جميع ما جاء به من عند ربكم { فَإِن تَوَلَّوْاْ } وانصرفوا بعدما بلغتَ رسالتك حق التبليغ { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ } أي : على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جزاء { مَا حُمِّلَ } من التبليغ وإظهارِ الدعوة وتبيينِ الرسالة ، { وَعَلَيْكُمْ } أيها السامعون جزاء { مَّا حُمِّلْتُمْ } من الامتثال والانقياد { وَ } اعلموا أيها المتوجهون نحو الحق { إِن تُطِيعُوهُ } أي : الرسولَ ، وتصدقوا قوله ، وتعلموا على مقتضى ما أُمرتم على لسانه { تَهْتَدُواْ } إلى معرفة ربكم وتفوزوا بتوحيده ، { وَ } إن لم تطيعوا له ، وتهتدوا إلى ما ُجبلتم لأجله { مَا عَلَى ٱلرَّسُولِ } المأمور بالدعوة والتبليغ { إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 54 ] الظاهرُ الواضحُ ؛ لئلا يشتبه عليكم أمر الدين ، فإن امتثلتم بما سمتعتم منه فزتم ، وإن توليتم فعليكم الوزر والوبال . واعلموا يقيناً أنه { وَعَدَ ٱللَّهُ } المتفضلُ المحسنُ لعباده بأنواع الفضل والعطاء { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ } أيها الناس بتوحيد الله وصفاته ، وإرسالِ الرسل ، وإنزالهِ الكتبَ ، والعبثِ بعد الموت ، وجميعِ الأمور الأخروية { وَ } مع الإيمان والإعان { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقبولةِ عند الله ، المرضية له على مقتضى ما أوحاه على رسوله وأنزله في كتابه ، وأقسم سبحانه بنفسه تأكيداً لوعده { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } وليجعلنهم خلفاء { فِي ٱلأَرْضِ } التي استولى عليها الكفرة { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ } آمنوا { مِن قَبْلِهِمْ } يعني : بني إسرائيل استخلفهم على بلاد العمالقة والفراعنة وأرض الشام والفرس ، { وَ } بعد استخلافهم { لَيُمَكِّنَنَّ } ويقررن { لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } وهو دين الإسلام ، المبني على صرافة التوحيد الذاتي المستلزم لتوحيد الصفات والأفعال . وليشيعن ويذيعن دينهم هذا إلى جميع الأقطار والأنحاء { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } ويحولن حالهم { مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ } الناشئ من تمويهات متخيلتهم ووساوس متوهمتهم { أَمْناً } نشأ من اليقين الحقي المثمرِ لكمال الاطمئنان والوقار ، وبعدما حصل لهم مرتبة الفناء في ذاتي ، حصل لهم البقاء ببقائي ، فحينئذٍ { يَعْبُدُونَنِي } مخلصين حيث { لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } من مظاهري ومصنوعاتي بتسويلات شياطين الخيالات والأوهام { وَمَن كَفَرَ } أي : ارتد ورجع { بَعْدَ ذٰلِكَ } أي : بعد نفي الخواطر والأوهام المضلةِ عن سواء السبيل { فَأُوْلَـٰئِكَ } المردودون المطرودون عن ساحة عز الحضور والقبول { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ النور : 55 ] الخاسرون المقصورون على الخروج والخسران عن مقتضى اليقين العلمي والعيني والحقي { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [ الزمر : 15 ] . { وَ } بعدما جعلتم التوحيد الذاتي قبلة مقصدكم أيها المحمديون { أَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ } المثمرةَ المورثةَ لكم كمالَ الشوق المحبةَ نحو الحق دائماً { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } المطهرةَ لنفوسكم عن الميل إلى ما سواه { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } المرشدَ لكم إلى طريق التوحيد { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ النور : 56 ] وتفوزون بما لا عينُ رأت ولا أذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر . حققنا بما أنت راضٍ عنا يا خير الناصرين .