Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 18-20)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ } أي : الآلهة مبرئين نفوسهم عن هذه الجرأة والجريمة العظيمة ، منزهين ذاته سبحانه عن وهم المشاركة والمماثلة والكفاءة مطلقاً : { سُبْحَانَكَ } ننزهك ونقدس ذاتك يا ربنا عن توهم الشركة في ألوهيتك وربوبيتك ، بل في وجودك وتحققك { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ } ويصح منَّا { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } فكيف يليق بنا أن ندعي الولاية لأنفسنا دونك والاشتراك معك ، مع أنَّا لا وجود لنا إلا منك ، ولا رجوع لنا إلا إليك ، وأنت يا ربنا تعلم منَّا ما في ضمائرنا وأسرارنا واستعداداتنا ونياتنا في جميع شئوننا وقابلياتنا ، وأنت تعلم أيضاً منا يا مولانا لا علم لنا باتخاذهم أولياء ، ولا إضلال وتقرير من قَبَلنا إياهم { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } أنت بمقتضى فضلك وجودك بأنواع النعم وأصناف الكرم { وَ } كذا متعت { آبَآءَهُمْ } كذلك ، وأمهلتهم زماناً مترفهين مستكبرين { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } أي : ذكر المنعِم ، وغفلوا عن شكر نعمه ، واتخذوا على مقتضى أهويتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة أرباباً من دونك وعبدوها كعبادتك عتواً واستكباراً { وَ } بالجملة : هم { كَانُواْ } مقدَّرين مثبتين في لوح قضائك { قَوْماً بُوراً } [ الفرقان : 18 ] هالكين في تيه الغفلة والضلال ، من أصحاب الشقاوة الأزلية الأبدية لا يُرجى منهم السعادة أصلاً . ثم قيل للمشركين من قِبل الحق : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } آلهتكم أيها الضالون { بِمَا تَقُولُونَ } أنهم آلهتنا ، أو بما يقولون هؤلاء وأضلونا ، أو بقولكم : هؤلاء شفعاؤنا { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } أي : فالآن ظهر ولاح أن آلهتكم وشفعاءكم لا يقدرون { صَرْفاً } من عذابنا شيئاً { وَلاَ } يقدرون أيضاً { نَصْراً } لكم ؛ لتصرفوا عذابنا عن نفوسكم بمعاونتهم ، ولا شفاعة عندنا ؛ لتخفيف العذاب عنكم { وَ } بالجملة : { مَن يَظْلِم مِّنكُمْ } أيها لامشركون نفسه باتخاذ غيرنا إلهاً عناداً ومكابرة ، ولم يتب عن ذلك حتى خرج من الدنيا عليه { نُذِقْهُ } الأمر ؛ أي : يوم الجزاء { عَذَاباً كَبِيراً } [ الفرقان : 19 ] لا عذاب أكبر منه . ثم أشار سبحانه إلى تسلية حبيبه صلى الله عليه وسلم عما عيره الجهلة المستهزئون معه بقولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ … } [ الفرقان : 7 ] { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ } رسولاً { مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } كما تأكل أنت وسائر الناس { وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } لحوائجهم كما تشمي أنت وغيرك . وامتياز الرسل والأنبياء من العوام إنما يكون بأمورٍ معنوية لا اطلاع لأحد عليها سوى من اختارهم للرسالة والنبوة ، وهم في ظوهر أحوالهم مشتركون مع نبي نوعهم بل أسوأ حالاً منهم في ظواهرهم ؛ لعدم التفاتهم إلى زخرفة الدنيا العائقة عن اللذة الأخروية ، ولهذا ما من نبي ولا رسول إلا وقد عيرهم العوام بالفقر والفاقة إلا نادراً منهم . { وَ } بالجملة : من سنتنا أنَّا { جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ } أيها الناس { لِبَعْضٍ فِتْنَةً } أي : بسبب ابتلائه ومحنة واختبار ، من ذلك ابتلاء الفقراء بتشنيع الأغنياء ، وتعيير النبيين والمرسلين باستهزاء المنكرين المستكبرين ، والمرضى بالأصحاء ، وذي العاهة بالسالم إلى غير ذلك ، وإنما جعلناكم كذلك ؛ لنختبر وتعلموا { أَتَصْبِرُونَ } أيها المصابون بما أصابكم من البلاء فتفوزون بجزيل العطاء وجميل اللقاء أم لا ؟ { وَ } الحال أنه قد { كَانَ رَبُّكَ } يا أكمل الرسل في سابق قضائه وحضرة علمه { بَصِيراً } [ الفرقان : 20 ] لصبر من صبر ، وشكر من شكر من أولي العزائم الصحيحة ، ولمن لم يصبر ولم يشكر من ذوي الأحلام السخيفة والاختبار ، إنما هو لإظهار الحجة الغالبة البالغة ؛ إذ الإنسان مجبول على الجدال والكفران .