Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-26)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من جملة جدالهم وعنادهم : { قَالَ } الكافرون الجاحدون { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي : لا يؤملون لقيانا ، ولا يخافون منَّا لإنكارهم بنا وبوعدنا يوم الجزاء : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً مؤيداً من عند الله { لَوْلاَ } أي : هلا { أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } المصدقون لرسالته ؛ ليخبرونا بصدقه في دعواه { أَوْ } هلا { نَرَىٰ رَبَّنَا } الذي يدعونا إليه معاينة ، فيخبرنا ربنا بصدق رسوله حتى نصدقه بلا تردد ، وقال سبحانه في ردهم مقسماً على سبيل التعجب والاستغراب : والله { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } أولئك المسرفون المفرطون بقولهم هذا مكابرة ؛ حيث طلبوا من الله ما لا يسع لخُلَّص عباده من ذوي النفوس القدسية { وَعَتَوْا } بإخطار هذه المطلب العظيم في خواطرهم ، وإن صدر عنهم هذا تهكماً واستهزاءً { عُتُوّاً كَبِيراً } [ الفرقان : 21 ] فاستحقوا بذلك أكبر ال عذاب وأصعب النكال والوبال . اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } أي : ملائكة العذاب مع أنه { لاَ بُشْرَىٰ } ولا بشارة لهم برؤيتهم { يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } بل إنما يجيئون إليهم ؛ ليجروهم إلى جهنم صاغرين مهانين { وَ } بعدمنا يرونهم صائلين عليهم صولة الأسود { يَقُولُونَ } متحسرين خاسرين قولاً يقول به العرب عند هجوم البلاء ونزول العناء واليأس التام من الظفر بالمطلوب ، وهو قولهم : هذا { حِجْراً مَّحْجُوراً } [ الفرقان : 22 ] وهو كنى عن قولهم : حُرمنا عن التبشير بالجنة حرماناً مؤبداً ، أو صرنا مسجونين في النار سجناً مخلداً . ثم قال سبحانه : { وَ } بعدما حرَّمنا الجنة عليهم ، وجعلنا مصيرهم النار { قَدِمْنَآ } وعمدنا { إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } إلى أصلح أعمالهم وأحسنها التي أتوا في النشأة الأولى ؛ كقِرى الضيف وصلة الرحم وإعانة الملهوف وإغاثة المظلوم وغير ذلك من حسنات أعمالهم { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] أي : صيرناه كالغبار المنثور بالرياح لا ترتب القبول والجزاء والثواب عليه ؛ لفقدهم شرط القبول والإثابة وقت صدورها عنهم ، وهو الإيمان والتوحيد ، والتصديق بالرسل والكتب ، والعمل بمقتضى الوحي ، وهم كفار مكذبون مستكبرون ، لذلك لم يقبل منهم أعمالهم . وأما { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } المتصفون بالإيمان والتوحيد ، وتصديق الكتب والرسل ، الممتثلون بالأوامر والنواهي على مقتضى ما بلَّغهم الرسل وبيَّن له فهم { يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } أي : من جهة مكان يستقرون عليه ، ويتوطنون فيه { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] يستريحون ، ويستروحون فيه مع الحور والغلمان . يومئذ يتلذذون أو هم { يَوْمَئِذٍ } [ الفرقان : 24 ] أي : يوم انقطاع السلوك ، وانكشاف السُّدل والأغطية المانعة من الشهود { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [ الفرقان : 24 ] من جهة استقرارهم في مقر التوحيد ، آمنين عن وساوس الأوهام والخيالات الباطلة { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] يستريحون فيه بلا مقتضيات القوى والآلات البشرية المنخلعين عن لوازم ناسوتهم مطلقاً ، مشرفين بخلع من قبل اللأهوت وحضرة الرحموت . { وَ } ذلك { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ } تتصفى ، وتتجلى سماء الأسماء الإلهية المنكدرة المحتجة { بِٱلْغَمَامِ } أي : بغيوم التعينات العدمية المنعكسة منها { وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ } المهيمين عند الذات الأحدية ، وهي الأسماء والصفات التي استأثر الله به في غيبه بلا انعكاس وانبساط وامتداد ظل كسائر الأسماء الفعالة { تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] على صرافة تجردهم بلا تدنس وانغماس بغيوم التعينات والتعلقات . حنيئذ نودي من وراء سرادقات العز والجلال : { ٱلْمُلْكُ } المطلق والاستيلاء التام والسلطنة الغالية { يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } الثابت اللائق ، والمثبت على ما ينبغي ويليق { لِلرَّحْمَـٰنِ } المستوي على عروش ذرائر الأكوان بعموم الرحمة وشمول الفضل والامتنان ، بلا تقدير مكيال وميزان من زمان أو مكان { وَكَانَ } ذلك اليوم والشأن { يَوْماً } وشأناً { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } الساترين بغيوم هوياتهم الباطلة هوية الحق الظاهر في الآفاق والأنفس { عَسِيراً } [ الفرقان : 26 ] في غاية العسر والشدة ، وعلى الموحدين الواصلين إلى مرتبة الفناء ، الفانين في الله ، الباقين ببقائه يسيراً في غاية اليسر والسهولة .