Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-57)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } قله لهم تنبيهاً عليهم : كيف تغفلون عن ربكم وعن دينه الموضوع فيكم إصلاحاً لحالكم ؟ ! { هُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي : التوحيد والشرك كلاهما متجاورين متلاصقين ، مع أنه { هَـٰذَا } أي : التوحيد { عَذْبٌ فُرَاتٌ } سائغ شرابه للمتعطشين بزلاله { وَهَـٰذَا } أي : الشرك والكفر { مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي : مالح في كمال الملوحة إلى حيث يقطع أمعاء شاربيه { وَ } من كمال لطف الله على عباده { جَعَلَ } سبحانه دين الإسلام والشريعة الموضوعة ؛ للضبط { بَيْنَهُمَا } أي : بين التوحيد والشرك { بَرْزَخاً } مانعاً عن التصاقهما واتصالهما { وَ } جعله { حِجْراً مَّحْجُوراً } [ الفرقان : 53 ] أي : حداً محدوداً ، مانعاً عن امتزاجهما واختلاطهما . { وَ } كيف تنكرون أيها المنكرون سريان وحدته الذاتية على صفائح مظاهره { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ } أي : أظهر وأوجد تنبيهاً لعباده على سر توحيده { مِنَ ٱلْمَآءِ } أي : من نقطة النطفة { بَشَراً } سوياً ذا أجزاء مختلفة طبعاً وشكلاً ، صلابةً وليناً ، قوةً وضعفاً ، رقةً وغلظاً ، إلى غير ذلك من الصفات المتقابلة والأجزاء المتفاوتة التي عجزت عن تشريح جزءٍ من أجزاء شخص من أشخاص نوع الإنسان فحول الحكماء ، مع وفور دواعيهم لكشفها إلى حيث تاهوا وتحيروا عن ضبط ما فيه من الامتزاجات والارتباطات ، فكيف عن جميع أجزائه ؟ ! وبعدما قدَّره سبحانه ، وسوَّاه بكمال قدرته وقوته ، ووفور حكمته قسَّمه قسمين { فَجَعَلَهُ نَسَباً } أي : جعل قسماً منه ذكراً ذا نسب ونسل ينسب إليه من يخلفه من أولاده الحاصلة من نطفة . { وَ } جعل قسماً آخر منه { صِهْراً } أي : أنثى يصاهر بها ؛ أي : يختلط ويمتزج الذكر معها ؛ إبقاءً للنوع وتتميماً لبقائه على سبيل التناسل والتوالد إلى ما شاء الله { وَ } بالجملة : { كَانَ رَبُّكَ } الذي رباك يا أكمل الرسل على كمال الذكاء والفطنة في فهم سرائر توحيده ، ورقائق تجلياته الجلالية والجمالية { قَدِيراً } [ الفرقان : 54 ] على ما شاء وأراد بلا فتور وقصور . { وَ } مع كمال قدرته سبحانه ، وعلو شأنه وسطوع برهانه { يَعْبُدُونَ } من خبث طينتهم وشدة قسوتهم { مِن دُونِ ٱللَّهِ } الحقيق بالعبودية ذاتاً ووصفاً واسماً { مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ } يعني : أصناماً وأوثاناً لا يُرجى نفعهم ولا ضرهم لا لأنفسهم ولا لغيرهم وبالجملة : لا يملكون شيئاً من لوازم الألوهية والربوبية مطلقاً { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ } الجاحد الجاهل بذات الله وكمال أسمائه وصفاته { عَلَىٰ رَبِّهِ } الذي رباه بمقتضيات أوصافه وأسمائه { ظَهِيراً } [ الفرقان : 55 ] يظهر عليه بالباطل ويظاهره ، وينبذ الحق وراء ظهره ويخالفه ، ولا يلتفت إليه عتواً واستكباراً . { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل { إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الفرقان : 56 ] إلى كافة البرايا وعامة العباد ؛ لتبشرهم على ما ينفعهم ، وتنذرهم عما يضرهم ؛ يعني : تهديهم إلى المعرفة والتوحيد الذي هم جُبلوا لأجله ، وتمنعهم عن المفاسد المنافية له ولطريقه . وإن نسبوك يا أكمل الرسل إلى أخذ الجُعل والرشا ؛ لإرشادك وإهدائك إيام { قُلْ } لهم تبكيتاً وإلزاماً : { مَآ أَسْأَلُكُمْ } وأطلب منكم { عَلَيْهِ } أي : على تبليغي إياكم ما أُوحي إلي من ربي ، وإرشادي لكم بمقتضى الوحي الإلهي { مِنْ أَجْرٍ } جُعل ومال آخذه منكم ، وأجعله سبباً للجاه والثروة وأنواع المفاخرة والمباهاة بها ، كما هو عادة الجهلة المشيخين في هذا الزمان الذين هم من أعوان الشيطان ، نسبوا أنفسهم إلى الصوفية والمتشرعين تلبيساً وتغريراً ، وأخذوا من ضعفاء العوام من حطام الدنيا بعدما أفسدوا عقائدهم بأنواع التلبيسات والتدليسات ، وتحليل المحرمات وإباحة المحظورات واختزنوها . ثمَّ ادعو بسببها الرئاسة والسيادة حتى مضوا عليها زماناً ، وكثر الأتباع والأحشام ، وهيأوا الأعوان والأنصار بتلبيسهم هذ ، ثمَّ بعد ذلك بغوا على السلطان وقصدوا الخروج على أولي الأمر والطاعة ، واشتغلوا بتخريب البلدان وإضرار أهل الإيمان ، وقصدوا أموال الأنام وأعراضهم وسبي ذراريهم ، ومع ذلك سموا أنفسهم أهل الحق والعدل ، وأرباب المعرفة والإيمان ، وأصحاب التحقيق واليقين ، ألا ذلك هو الخسران المبين والطغيان العظيم - عصمنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا - بل ما أطلب بتبليغي هذا { إِلاَّ } هداية { مَن شَآءَ } وأراد بتوفيق الله إياه ممن سبقت لهم العناية الأزلية { أَن يَتَّخِذَ } ويطلب { إِلَىٰ رَبِّهِ } الذي رباه بأنواع الكرامات { سَبِيلاً } الفرقان : 57 ] يوصله إلى معرفته وتوحيده .