Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 58-62)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } إن انصرفوا عنك وأعرضوا عن هدايتك وإرشادك ، وقصدوا تعنتك وقتلك عداوناً وظلماً ، فلا تبالِ يا أكمل الرسل بهم وبشأنهم ولا تحزن عن أمرهم ، بل { تَوَكَّلْ } في مقابلتهم ومقاوتهم { عَلَى ٱلْحَيِّ } القيوم { ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } أي : لا يعرضه الموت والفناء { وَسَبِّحْ } ربك ونزهه عما لا يليق بشأنه مقارناً تسبيحك { بِحَمْدِهِ } على آلائه ونعمائه الفائضة عليك على التعاقب والتوالي ، سيما على ما اصطفاك من بيت البرايا ، وأعطاك الرئاسة والسيادة على كافة الأنام ، والرسالة على قاطبة الأمم ، بلغ ما أنزل إليك ولا تفرح من إيمانهم ، ولا تحزن على كفرهم وطغيانهم { وَ } اعلموا أنه { كَفَىٰ بِهِ } أي : كفى الله سبحانه عالماً { بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } ما ظهر منهم وما سيظهر ، وما بطن في استعداداتهم ، وكن في قابلياتهم { خَبِيراً } [ الفرقان : 58 ] مطلعاً بصيراً على وجه الحضور والشهود لا يعزب عن حيطة حضرة علمه شيء منها ، مجازياً قديراً ، ومنتقماً عزيزاً يجازيهم بقدرته على مقتضى اطلاعه وخبرته . وكيف لا يعلم ويطلع سبحانه بجميع ما ظهر وبطن ، وهو { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أبدعهما وأظهرما { وَمَا بَيْنَهُمَا } من كتم العدم بلا سبق الهيولي والزمان { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي : على عدد الجهات والأقطار المحفوفة بجميع الكوائن والفواسد { ثُمَّ } بعدما كمل ترتيبها على أبلغ نظام { ٱسْتَوَىٰ } وتمكن وانبسط { عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي : على عروش جميع المظاهر بالاستيلاء التام والبسطة العامة { ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذي وسعت رحمته كل ما ظهر وبطن ، غيباً وشهادة . { فَسْئَلْ بِهِ } أي : بما ذكر من خبرة الله وإحاطة علمه وقدرته وإظهاره ما ظهر وبطن عيناً وشهادةً ، وإحاطته واستيلائه على عروش الرحمن بالرحمة العامة { خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] ذا خبرة يخبرك بصدقها من أرباب القلوب الواصلين إلى مرتبة الكشف وعموم الشهود ممن سبقت لهم العناية الأزلية ، والجذبة الجالية الغالبة من قبل الحق ، المفنية لهم عن أنانياتهم ، المبقية لهم ببقاء الحق . { وَ } مع ظهور استيلاء الحق وانبساطه على عروش ذرائر الأكوان { إِذَا قِيلَ لَهُمُ } على سبيل الإيقاظ عن نعاس النسيان ، والتنبيه عن نومة الحرمان : { ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ } المظهر لكم من كتم العدم بسعة رحمته وجوده { قَالُواْ } منكرين له مع كمال ظهوره مستفهمين على سبيل الاستغراب والاستعباد : { وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } الذي تدعوننا إلى سجوده ؟ أتوا بالسؤال بلفظة ( ما ) من كمال نكارته عندهم وشدة إنكارهم عليه ، قائلين : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } أي : لكل شيء تأمرنا بسجوده أنت من تلقاء نفسك { وَزَادَهُمْ نُفُوراً } [ الفرقان : 60 ] أي : ما زاد دعوتك إياهم وإرشادك لهم إلا نفوراً عن الحق و طريق توحيده ؛ لخبث طينتهم وشدة شكيمتهم ، وكمال غيهم وقسوتهم . وكيف تنفرون وتنصرفون هؤلاء الجاهلون الغافلون عن سجوده سبحانه ، مع أنه { تَبَارَكَ } وتعالى عن شأنه ، عن أن ينصرف عنه وينفر منه أحد من عباده ، مع كثرة خيراته وبركاته عليهم ؛ لأنه { ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي : العلويات { بُرُوجاً } لتكون منازل للكواكب المدبرة للأمور الأرضية { وَ } بعدما هيأها سبحانه على أبلغ النظام { جَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } أي : شمساً دائرة من برج إلى برج { وَقَمَراً مُّنِيراً } [ الفرقان : 61 ] منقلباً من منزل إلى منزل من المنازل المذكورة ؛ ليحصل من دورها وانقلابها الفصول الأربعة المصلِحة لأحوال ما في السفليات من المواليد الثلاثة . { وَ } كيف تغفلون عن الصانع الحكيم إيها الضالون { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } متعاقبة متجددة ، فخلف أحدهما الآخر ؛ ليكون مرصداً وميقاتاً { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } ويتذكر آلاء الله المتوالية المتتالية عليه ، الفائضة من عنده على تعاقب الأوقات والساعات { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [ الفرقان : 62 ] أي : أراد يشكر على نعمائه الواصلة إليه في خلالهما .