Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 205-216)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَرَأَيْتَ } وعلمت أيها الرائي الخبير { إِن } أملهنا في الدنيا زماناً طويلاً بأن { مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } [ الشعراء : 205 ] فيها تمتيعاً بليغاً ، ورفهناهم ترفيهاً بديعاً . { ثُمَّ جَآءَهُم } ونزل عليهم بعد زمان طويل { مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } [ الشعراء : 206 ] من العذاب . { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } أي : لم يدفع طول مكثهم فيها شيئاً من العذاب ، ولم تخفف عذابهم { مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } [ الشعراء : 207 ] أي : تمتيعهم زماناً طويلاً ، فإذن لا فرق بين إمهالهم وبين تعجيل العذاب عليهم . { وَ } من سنتنا المستمرة وعادتنا القديمة { مَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } من القرى القديمة الهالكة { إِلاَّ } أرسلنا أولاً { لَهَا } أنبياءً ورسلاً ، هم { مُنذِرُونَ } [ الشعراء : 208 ] مخوفون عمَّا هم عليه من الأمور المستجلبة للعذاب ، المستوجبة له . وإنما أرسلنا إليهم وأنذرناهم عمَّا أنذرناهم أولاً ؛ ليكون { ذِكْرَىٰ } أي : تذكرة وعظية منها إياهم ؛ حتى لا ينسبونها إلى الظلم ، ولا يجادلوا معنا وقت حلولك العذاب { وَ } ظهر عندهم أنَّا { مَا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الشعراء : 209 ] بتعذيبهم بأنواع العذاب . { وَ } بعدما نسب المشركون المكابرون تنزيل القرآن المعجز إلى الشياطين ، وطعنوا فيه بأنه من جملة ما تلقى الشياطين إلى الكهنة ، رد الله عليهم بقوله : { مَا تَنَزَّلَتْ بِهِ } أي : بالقرآن الفرقان ، المعجز لفظاً ومعنى ، المبني على الهداية المحصنة { ٱلشَّيَاطِينُ } [ الشعراء : 210 ] الضالون المضلون ؛ إذ لا يتأتى منهم الهداية أصلاً . { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ } الإتيان بالهداية والرشاد { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [ الشعراء : 211 ] ويقدرون عليها ؛ إذ الهداية إنما هي من طيب النفس وطهارة الفطرة ، وأمَّا استماعهم وسماعهم من الملائكة أيضاً لا يتأتى منهم ، ولا يمكنهم . { إِنَّهُمْ } من رداءة فطرتهم وخباثة جبلتهم { عَنِ ٱلسَّمْعِ } لكلام الملائكة { لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 112 ] لأن الاستماع منهم مشروط بالمناسب لهم في التجرد عن العلائق ، وصفاء الفطرة عن أكدار الطبيعة ، وقبول الفيض عند هبوب نسمات النفسات الرحمانية ، والتعرض والاشتياق منها على الدوام . وظاهر أن نفوسهم الخبيثة ليست بهذه المثابة ، والقرآن والفرقان محتوٍ على حقائق ومعارف ، ومكاشفات ومشاهدات لا يمكن صدورها إلا ممن هو منبع جميع الكمالات ومنشأ عموم الخيرات ، والمطلع بجميع السرائر والخفيات ، والقادر المقتدر على جميع المرادات والمقدورات ، فكيف يليق بكمال القرآن أن ينسب إلى الشيطان ؟ ! تعالى شأن القرآن عمَّا ينسب الظالمون علواً كبيراً . ثمَّ أشار سبحانه إلى تحريك سلسة أشواق المحبين ، وتهييج إخلاص الموحدين المخلصين ، المنقطعين نحو الحق ، الساعين بإفناء هويتهم الباطلة في طريق توحيده ، الباذلين مهجهم في مسلك الفناء ؛ ليفوزوا بشرف اللقاء والبقاء . فقال مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم ، ناهياً له عن التوجه والالتفات نحو الغير مطلقاً : { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ } الأحد الفرد الصمد ، المستقل بالألوهية والربوبية { إِلَـٰهاً آخَرَ } من مظاهره ومصنوعاته ؛ إذ الكل في حيطة أوصافه وأسمائه لا وجود لها لذاتها ، بل إنما هي عكوس وأظلال للأسماء والصفات الإلهية { فَتَكُونَ } أنت بجمعيتك وكمالك لو دعوت ، واتخذت إلهاً آخر صرت { مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } [ الشعراء : 113 ] بأنواع التعذيبات الصورية والمعنوية والعقلية والحسية ، الجسمانية والروحانية . إنما خاطب سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب الهائل ، عاتيه بهذا العتاب الهائب ؛ ليتنبه المؤمنون ، ويتفطنوا بكمال غيرة الله المتفرد المتوحد ، القهار للأغيار مطلقاً . { وَ } بعدما ظهر عندك يا أكمل الرسل غوائل الشرك ، ولاح دونك ما يترتب عليه من القهر الإلهي وغضبه { أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ } أي : قرابتك ، سيما { ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] منهم واهتم بشأنهم أشد اهتمام ؛ حتى تنقذهم من الشرك المستجلب لأنواع العذاب والغضب من قبل الحق . { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ } وآمن لك منهم ؛ أي : لين جانبك نحوهم ، وابسط مؤانستك معهم ومصاحبتك معهم إياهم ؛ حتى صار كلهم { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] الموحدين ، الناجين من عذاب الله وسخطه . { فَإِنْ عَصَوْكَ } بعدما قد لنت لهم وأنست معهم ، ولم يقبلوا منك دعوتك وإنذارك { فَقُلْ } متبرئاً منهم ، مستنزهاً نفسك عن أعمالهم : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ الشعراء : 216 ] أي : منكم ومن عملكم الذين تعملونه مصرين مستكبرين .