Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-19)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } من سعة جودنا ، وعموم فيضنا وفضلنا { لَقَدْ آتَيْنَا } وأعطينا { دَاوُودَ وَ } إبنه { سُلَيْمَانَ عِلْماً } متعلقاً بالحكم والأحكام ، وعموم تدبيرات الأنام ، وضبط أحوالهم وأوضاعهم المتداولة بينهم من الإنصاف والانتصاف وإقامة الحدود ، وسد الثغور وغيرها من الأمور المتعلقة بضبط المملكة . { وَقَالاَ } بعدما آرادا أن يشكرا الله ، ويؤديا حقوق نعمه الجليلة ، ومنحه الفائضة الجزيلة : { ٱلْحَمْدُ } والمنة ، والثناء التام الناشىء من عموم الألسنة ، وجميع الجوارح الممنونة من نعمه ، المغمورة بموائد لطفه وكرمه { لِلَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المستحق لعموم المحامد والأثنية الصادرة من ذرائر الأكوان طوعاً { ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النمل : 15 ] له ، الموحدين بذاته ، المصدقين لأنبيائه ورسله وكتبه ، وخصصنا من بينهم بمزيد الكرامة المتعلقة برئاسة الدارين ، وسيادة النشأتين ، وحكومة الثقلين ، والحكمة المتقنة المتعلقة بمرتبتي الناسوت واللاهوت ، وحضرة الرحموت والجبروت . { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } يعني : بعدما انقرض داوود استخلف عنه سليمان عليه السلام ، وورث من نبوته وحكمته وحكومته ، وسخر له جميع ما سخر لداوود مع زيادات خلال عنه أبوه عليه السلام ، وهو تسخير الجن والريح ومنطق الطيق ، فإنها ما تيسر لأبيه { وَ } بعدما تمكن سليمان عليه السلام على مقر الحكومة والنبوة { قَالَ } يوماً للملأ الجالسين حوله تنويهاً وتشهيراً لنعم الله على نفسه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا } بلسان الوحي وترجمانه { مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا } من فضل الله علينا { مِن كُلِّ شَيْءٍ } أي : كثير من الأشياء ما لم يُؤت مثله أحدٌ من العالمين { إِنَّ هَـٰذَا } الإعطاء والتخصيص والتفضل { لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } [ النمل : 16 ] الظاهر اللائح فضله على كل أحد ، والملك العظيم الذي لم يؤتَ أحدٌ من الأنبياء . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل يوم { حُشِرَ } وجمع { لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ } وكان معسكره مسيرة مائة فرسخ ، خمسة وعشرون للإنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش ، تمشي كلُّ طائفة منهم مع بني نوعه صافين مستوين ، وإن تسابق بعضهم على بعض { فَهُمْ } حينئذٍ { يُوزَعُونَ } [ النمل : 17 ] ويحبسون ؛ حتى يتلاحقوا ويتساوى صفوفهم ، وكان سليمان عليه السلام يأمر الريح فترفعه فوق رءوسهم مشرفاً عليهم ، فتسير معه رخاءً . ومن كمال فضل الله عليه أنه ما تكلم أحد منهم بكلام إلا حملته الريح وألقته في سمعه ، فبينا هو يسير مع عسكره هكذا رآه ، وجنده حراث ، فقال مستغرباً : والله لقد أوتي آل داوود ملكاً عظيماً ، فمشى سليمان عليه السلام إليه ، فقال له : إنما مشيت إليك ؛ لأوصيك ألاَّ تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثمَّ قال : والله لتسبيحة واحدة يتقبلها الله خير مما أوتي آل داوود . وكان عليه السلام مع جنوده على الوجه الذي ذكر { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ } هو وادٍ بالشام كثير النمل ؛ لذلك سميت به { قَالَتْ نَمْلَةٌ } بعدما رأت سواد العسكر ، و أشعرت بعبورهم على الوادي منادية لإخوانها ، صائحة عليهم ، صارخة : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } الضعيف النحيف { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } مسرعين متحرزين ، ولا تقفوا في الصحراء حتى { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } ولا يطأنكم { وَهُمْ } بحوافر خيولهم { سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } وإن كانوا من أرباب البر والتقوى ، محترزين عن أمثال هذا الظلم الصريح إلاَّ أنهم { لاَ يَشْعُرُونَ } [ النمل : 18 ] بكم ؛ لصغركم وحقارتكم فيطئوكم بلا شعور وإدراك . وبعدما سمع سليمان عليه السلام من النملة ما سمع { فَتَبَسَّمَ } تبسماً ظاهراً إلى أن صار { ضَاحِكاً } متعجباً { مِّن قَوْلِهَا } المشتمل على أنواع التدابير والخيرات من حسن المعاشرة مع الجيران ، وآداب المصاحبة مع الإخوان ، والتحذير عن مظان المهالك والمتالف قبل الوقوع فيها وغير ذلك . { وَ } بعدما اطلع سليمان على قولها وغرضها توجه نحو الحق عادّاً على نفسه جلائل نعم الله وآلائه ، حيث { قَالَ } حينئذٍ مناجياً إليه سبحانه : { رَبِّ } يا من رباني بأنواع الخيرات والكرامات التي ما أعطاها أحداً من خلقه { أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } ووفقني على أن أؤدي حقوقها على الوجه الذي ينبغي ويليق بشأنك وشأنها ، ولا يتأتى مني هذا إلا بتوفيقك وتيسيرك ، وفقني على إتمامها وتكميلها . { وَ } يسير علي { أَنْ أَعْمَلَ } في مدة حياتي عملاً { صَالِحاً تَرْضَاهُ } أي : مقبولاً عندك ، مرضياً لك { وَ } بعدما توفيتني { أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ } وسعة فضلك وجودك { فِي } زمرة { عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النمل : 19 ] المرضيين عندك ، المقبولين دونك ، وعندني من عدادهم ، واحشرني من زمرتهم ، إنك على ما تشاء قدير ، وبرجاء المؤملين جدير .