Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 27-35)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما سمع سليمان عليه السلام منه ما سمع { قَالَ } ممهلاً عليه : { سَنَنظُرُ } ونصبر إلى يظهر { أَصَدَقْتَ } فيما أخبرت به { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [ النمل : 27 ] المزورين زورت هذا ؛ لتخلص من العذاب ؟ . ثمَّ أراد سليمان - صلوات الرحمن عليه وسلامه - أن يرسل رسولاً إلى بلفيس فكتب كتاباً هكذا : " بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ثمَّ طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ، ثمَّ قال للهدهد : { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } بحيث لم يتفطنوا بك وبأمرك { ثُمَّ تَوَلَّ } وانصرف { عَنْهُمْ } وكن متوارياً في قربهم { فَٱنْظُرْ } وتأمل { مَاذَا يَرْجِعُونَ } [ النمل : 28 ] أي : ماذا يرجع ويرد بعضهم بعضاً من الكلام في المشاورة والمكالمة ؟ فأخذ الهدهد الكتاب ، وأتى بلقيس وهي نائمة في قصرها ، فألقاه على نحرها ، فلما استيقظت رأت الخاتم في نحرها ، فرعدت وخضعت خوفاً ، ثمَّ جلست مع أشراف قومها وتشاورت معهم في أمر الكتاب . حيث { قَالَتْ } منادية مستفتية منهم : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ } اليوم { كِتَابٌ كَرِيمٌ } [ النمل : 29 ] وصفته بالكرامة ؛ لأنها نائمة في قصرها والأبواب مغلقة عليها ، فرأت في صدرها هذا بلا إحضار محضر ، كأنهم قالوا : ممن ؟ وما مضمونه ؟ . قالت : { إِنَّهُ } أي : الكتاب مرسل { مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ } أي : مضمونه : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [ النمل : 30 ] . { أَلاَّ تَعْلُواْ } أي : عليكم ألا تترفعوا ولا تتكبروا { عَلَيَّ } ولا تبالوا ببسطكم وشوكتكم { وَ } لا يليق بشأنكم الإتيان على وجه الخضوع بلا كبر وخيلاء ، وإذا انحضر أمركم على الإتيان { أْتُونِي مُسْلِمِينَ } [ النمل : 31 ] منقادين لأمر الله ، مطيعين لحكمه وحكم رسوله بلا ممانعة وإباء . ثمَّ لمَّا قرأت مضمون الكتاب عليهم ، وشرحت لهم فحواه { قَالَتْ } خائفة مضطربة ، منادية لهم ثانياً تأكيداً للتأمل والتدبر في هذا الأمر الهائل : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي } أي : أجيبوا عليَّ وأشيروا إليَّ { فِيۤ أَمْرِي } هذا ، واختاروا ما هو الأحوط ، واستفتوا طريقاً ورأياً ، أختار ذلك قطعاً ، وآمر بها حكماً ؛ إذ { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً } أمضي عليه وأجزم به { حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } [ النمل : 32 ] له وتستصوبونه ، بل الأمر مفوض إليكم ، فاستصوبوا ما أقر رأيكم عليه ؛ حتى أمضي على مقتضاه . وبعدما فوضت أمرها إليهم استعطافاً واستظهاراً { قَالُواْ } مستعلين مستكبرين على مقتضى أصحاب القدرة والقوة ، وأرباب الجاه والثورة : { نَحْنُ } قوم { أُوْلُو قُوَّةٍ } وقدرةٍ تامةٍ عَدداً وعُدداً { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } قد انتشر صيتنا في الآفاق بالشدة والشجاعة وأنواع الجراءة والاستيلاء ، والصولة على الأعداء ، فنحن هكذا ولا خوف لنا منهم { وَٱلأَمْرُ } بعد ذلك { إِلَيْكِ } ونحن عبيدك { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } [ النمل : 33 ] من القتال والصلح ، نعمل على وفق ما أمرتنا به . { قَالَتْ } في جوابهم بعدما تأملت ، وتعمقت في أمرها ورأيها : نعم ، إن لنا كثرة وشجاعة منتشرة في أقطار الأرض بأسها وهيبتها ، إلاَّ أن الحرب خداع ، والقتال سجال لا تدرى عاقبتهما ، ولا اعتماد على الكثرة والجراءة بعدما نفذ القضاء على الهزيمة ، ومن المقدمات المسلمة { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ } وأرباب القدرة الاستيلاء { إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } عنوةً وقهراً { أَفْسَدُوهَا } بأن غيروا لها أوضاعها { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } بالغلبة والاستيلاء { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [ النمل : 34 ] هؤلاء لو دخلوا على بلادنا هذه . { وَ } ما يليق لنا اليوم ، ولا يصلح بحالنا مقارعة باب المقاتلة والمصالحة أيضاً ، بل { إِنِّي مُرْسِلَةٌ } رسلاً { إِلَيْهِمْ } أولاً مصحوبة { بِهَدِيَّةٍ } كثيرة لائقة بعظم شأنهم لأختبرهم { فَنَاظِرَةٌ } منتظرة بعد ذلك { بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ النمل : 35 ] أي : بأي شيء يرجعون من عندهم بعد تجسسهم من أحوالهم وأطوارهم ومعاشهم مع رسلنا ؛ حتى أعمل على ما يقتضى ما يرجعون ، هذا من كمال عقلها ورزانتها في تدبيرات المملكة وصيانتها آداب السلطنة والإمارة وضبط المملكة . ورُوي أنها أرسلت منذر بن عمرو في وفد ، وأرسلت معه غلمان على زي الجواري ، وجواري على زي الغلمان ، وحقة فيها درة عذراء لا ثقب فيها ، وجزعة معوجة الثقب ، وقالت : إن كان نبياً بيَّن الغلمان والجواري ، وثقب الدرة ثقباً مستوياً ، وسلك في الجزعة خيطاً ، ومعها أموال عظام من لبنات الذهب والفضة ، والعود والعنبر والكافور والمسك ، وأجناس الجواهر والنفائس من كل شيء ، فلما وصلوا معسكره رأوا عظمة ما شاهدوا مثلها ولا سمعوا من أحد .