Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 36-40)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَمَّا جَآءَ } الرسل { سُلَيْمَانَ } وحضروا عنده نظر إلأيهم بوجه حسن طلق ، وتكلم معهم ليناً حزيناً مخبراً عن أحوال ملكتهم ومملكتهم ، ثمَّ قال : ما أمركم ومصلحتكم ؟ فأطعوا كتاب بلقيس فنظر فيه ، فإذا هي فصلت فيه جميع ممتحناتها ، قال سليمان عليه السلام : أين الحقة ؟ فجيء بها فقال : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة ، وجزعة معوجة الثقب ، فأمر سليمان الأرضة فأخذت شعرة ، فدخلت في الدرة حتى خرجت من الجانب الآخر ، وأمر دودة أخرى حتى دخلت في الجزعة المعوجة الثقب بخيط حتى خرجت من الجانب الآخر ، وميَّز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم بغسل وجوههم وأيديهم ، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها وتصب في الأخرى ، ثم تضر وجهها ، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه . ثمَّ أتوا ببقايا الهدايا المرسله فأبى سليمان عنها ، وردَّ كله إليهم مهدداً عليهم حيث { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ } وتزيدونني { بِمَالٍ } يميل إليها أبناء الدنيا المحرومين عن اللذات الأخروية { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ } المنعم المفضل عليَّ من الأمور الأخروية من النبوة والرسالة ، وتسخير الثقلين والرياح والطيور والوحوش ، وجميع من الجو وعلى وجه الأرض { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } من حطام الدنيا ومن مزخرفاتها الفانية ، فما لنا ميل والتفات إليها { بَلْ أَنتُمْ } وأمثالكم من أبناء الدنيا { بِهَدِيَّتِكُمْ } هذه { تَفْرَحُونَ } [ النمل : 36 ] أي : تميلون وتسرون بها ؛ لفخركم بأمثال هذه الزخارف ؛ لقصور نظركم عليها وغفلتكم عن الأمور الأخروية . { ٱرْجِعْ } أيها الرسول { إِلَيْهِمْ } أي : إلى ملكتك ومن معها أي : إلى ملكتك ومن معها من الجنود ، وقل لهم : مطلوبي منهم الإيمان بالله المتوحد بالألوهية والربوبية ، والانقياد إليه والإطاعة لأحكامه فلهم الإتيان إليَّ مؤمنين مسلمين منقادين وإلا { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ } من الإنس والجن وأصناف الوحوش والطيور ، وأنواع الهوام والحشرات بالغة من الكثرة إلى حد { لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي : لا يسع لهم مقابلتها من بعيد ، فكيف ممانعتها ومقاتلتها ؟ ! { وَ } بعدما لم يسع لهم المقابلة { لَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أي : من بلادهم { أَذِلَّةً } ضعفاء ذليلين بأيدينا { وَهُمْ } حنيئذ { صَاغِرُونَ } [ النمل : 37 ] مهانون أُسراء بأيدي هؤلاء العفاريت . ثمَّ لمَّا رجع رسلها مع ما أهدت من الهدايا على وجهها قالت بلقيس : قد عرف أنه ليس بملك ، بل نبي من الأنبياء مؤيد بأمر سماوي ، وما لنا طاقة مقاومة ومقابلة معه سوى المصالحة والإطاعة بأمره والحضور عنده . ثمَّ أرسلت بلقيس إليه - صلوات الرحمن عليه - ثانياً : إني قادمة إليك عن قريب فيهأت أسبابه حتى تخرج ، وجعلت سريرها داخل سبعة أبواب في قصرها ، وقصرها داخل سبعة قصور ، وأغلقت على الأبواب كلها ، وجعلت عليها حرساً متعددة ، وارتحلت إلى سليمان ، فلما دنت إليه رأى سليمان حين كان على سريره جماً غفيراً من السواد مسيرة فرسخ فسأل عنهم ، فقالوا : بلقيس أتت بجنودها مطيعين مسلمين . { قَالَ } سليمان لمن حوله من الج والإنس : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي } ويحضروا عندي { مُسْلِمِينَ } [ النمل : 38 ] مؤمنين ؛ إذ بعدما أتوا لا يجوز إتيان عرشها إلا بإذنها ؛ إذ لا يصح نقل مال المسلم إلا بإذنه . { قَالَ عِفْرِيتٌ } أي : خبيث مارد { مِّن ٱلْجِنِّ } اسمه ذكوان أو صخراً : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي : مجلسك الذي تجلس عليه أنت للحكومة ؛ إذ من دأبه الجلوس إلى وقت الزوال ؛ يعني : آتيك به قبل إتيانها { وَإِنِّي عَلَيْهِ } أي : على حمل عرشها { لَقَوِيٌّ } أحمله بلا تزلزل أركانه وقوائمه { أَمِينٌ } [ النمل : 39 ] لا أتصرف منه شيئاً من زينته وجواهره ، فاستبطأ عليه السلام إتيانه ، وطلب أسرع من ذلك . { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ } فائض له { مِّنَ ٱلْكِتَابِ } أي : من حضرة العلم الإلهي المعبر بالقضاء واللوح المحفوظ ، وعالم الأسماء والأعيان الثابتة ، به يقدر على إحضار شيء وإعدامه دفعة ، وكان هو وزيره آصف بن برخية ، قد انكشف عليه خواص الأسماء الإلهية ففعل بها ما فعل : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أي : قبل أن تعيد وتطبق أجفانك حين نظرك ، وهذا كناية عن كمال الرسعة والعجلة ، فأتى به طرشفة عين { فَلَمَّا رَآهُ } أي : سليمان العرش { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } قبل إتيان بلقيس { قَالَ } سليمان عليه السلام متوجهاً إلى ربه ، مذكراً نعمه الفائضة على نفسه ، مجدداً الشكر إياها : { هَـٰذَا } أي : حضور العرش العظيم الثقيل في غاية الثقل والعظمة في آنٍ و احدٍ ، مع أنه كان في مسافة بعيدة { مِن } جملة { فَضْلِ رَبِّي } عليَّ ، ومن عداد جلائل إنعامه وأفضاله إليَّ . إنما تفضل سبحانه عليَّ بهذا { لِيَبْلُوَنِيۤ } ويختبروني { أَأَشْكُرُ } بمواظبة شكر نعمه المتواترة عليَّ ، بحيث أعجز عن أداء حق شكره ، وأعترف بالعجز والقصور عن إحاطة نعمه ، فيكف أداء حقوقها ؟ ! { أَمْ أَكْفُرُ } لنعمه ، ولا أقسيم بمقام الشكر عليها ، وإن الإقامة والتوفيق عليها أيضاً من جملة نعمه وفضله وكرمه ، ولا عائدة من شكرنا إليه سبحانه ؛ إذ هو منزه عنها ؟ ! بل { وَمَن شَكَرَ } على نعم الحق ، وصرفها على مقتضى ما جبلها الحق لأجله { فَإِنَّمَا يَشْكُرُ } الشاكر { لِنَفْسِهِ } لازدياد النعم عليها بمزيد الشكر { وَمَن كَفَرَ } فإنما يكفر لنفسه بانتقاص النعم عليها { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } في ذاته عن جميع العوائد { كَرِيمٌ } [ النمل : 40 ] جواد لا يعلل فعله بالأغراض وإنعامه بالأعواض .