Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 41-44)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ لمَّا دنت بلقيس مع من معهها من أشراف قومها بالدخول على سليمان عليه السلام والعرش عنده { قَالَ } لمن حوله : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } حين جلست ؛ أي : غيِّروا بعض أوضاعه وزينته { نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } وتتعقل أنه هو { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } [ النمل : 41 ] لاستحالة أن يكون هذا هو عادةً ؟ إنما قصد به عليه السلام اختبار عقلها ورشدها واستعدادها للإيمان بالمغيبات والمستبعدات الخارقة للعادات ، فغير عرشها على الفور ، وقد بنى سليمان صرحاً ممرداً من قوارير ووضع سريره فيها ، وهي على الماء ، ومن غاية صفائها لا يتميز عن الماء ، وفي الماء حيوانات مائية المولد من الحوت والضفدع وغيرها . { فَلَمَّا جَآءَتْ } بلقيس ، وهو في ذلك الصرح على السرير { قِيلَ } لها أولاً : { أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ } بعدما أمعنت نظرها نحو العرش : { كَأَنَّهُ هُوَ } أتت بكلمة التشبيه ، وقد تحقق عندها أنه هو ؛ صيانةً لنفسها عن الكذب { وَ } بعدما تفرست منه التصديق لقولها بادرت إلى تصديق نبوته ، فقالت : لا حاجة لا إلى اختبارك بأمثال هذه المعجزات حتى نؤمن لك ؛ إذ { أُوتِينَا } المتعلق منَّا بصدقك وتصديق نبوتك { ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا } أي : قبل ظهور هذه المعجزة الخارقة للعادة بأمور اختبرناك بها { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } [ النمل : 42 ] منقادين لك ، مسلمين نبوتك وتأييدك من قبل الحق . { وَ } من فضل الله إياها أنه { صَدَّهَا } وصرفها بعدما ظهر عندها نبوة سليمان عليه السلام { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني : صرفها الحق عن عبادة الشمس ؛ إذ عبدتها تقليداً لأسلافها { إِنَّهَا كَانَتْ } منتشئة { مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } [ النمل : 43 ] جاحدين لله ، عابدين للشمس . ثمَّ { قِيلَ } أي : قال سليمان عليه السلام آمراً { لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } فبادرت إلى الإجابة { فَلَمَّا رَأَتْهُ } أي : القصر { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } فيها أنواع الحيوانات المائية { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } أي : رجليها ؛ لتدخل فيها ، فلما رأى سليمان ساقيها ، وقد أُخبر أن ساقيها لا كساق الإنسان ؛ لذلك احتال بناء قصر القوارير ؛ حتى يظهر عنده هل هو مطابق للواقع أم لا ؟ فلما رأها أحسن ساقاً قدماً ، لكن على ساقيها شعر صرف وجهه عنها مستغفراً ، ثمَّ { قَالَ } لها : { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } أي : بنيان مملس مصنوع { مِّن قَوارِيرَ } أي : من زجاج فأرخت ذيلها فدخلت ، وبعدما رأت اللجة ظنت أنه يستغرقها بها عمداً ، فلما ظهر عندها خلافه { قَالَتْ } مستغفرة عن سوء ظنها إياه : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } بهذا الظن الفاسد عن نبي الله { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ } الواحد الأحد ، المستقل بالألوهية والربوبية ؛ لكونه { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ النمل : 44 ] لا رب له سواه ، ولا إله إلا هو . وقد اختُلف في توزجها ، والأصح أنه تزوجها ، ثمَّ انقرض هي وسليمان ومن عليها جميعها ؛ إذ { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] و { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 - 27 ] .